{مَا خَلَقْنَا السَّمَواتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقّ} الذي يريد الله له أن يتحرك في الوجود ليكون السرَّ الأعمق فيه وفي حركته ؛على مستوى التكوين الذي يدخل في معنى الخلق ،وعلى مستوى التشريع الذي يدخل في مضمون الإرادة الإنسانية في حركة الالتزام ،{وَأَجَلٍ مُّسَمًى} فقد جعل الله للأشياء عمراً محدوداً بالغاية التي خلقت لأجلها ،في ما تحتاجه ،ما يوحي بالتخطيط الذي يخضع للحكمة الدقيقة .
ولكن هناك من يواجه الحق بمنطق العبث ،وبروح اللاّمبالاة ،ويتصرف تماماً كما لو كانت الحياة فرصةً للّهو وللهزل ،ويأخذ من دعوة الحق التي تنذره العذاب موقفاً سلبياً ،{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ} فهم لم يستجيبوا للإنذار استجابة الإنسان المنفتح على الحق ،أو استجابة الإنسان الجدّي في ملاحقة الفكرة المطروحة عليه حول اليوم الآخر ،المنفتح على عالم المسؤولية في خطّ الثواب والعقاب ،ما يجعل ردة فعلهم اللامبالية تلك ،نذيرَ خطرٍ مستقبلي يمكن أن يواجهوا بفعله عذاب النار لإعراضهم عن الإنذار واستهانتهم به .
إنّ اللامبالاة بدعوة الحق ،مشكلة الكثيرين من الناس الذين يعيشون الحياة من موقع العبث لا من موقع المسؤولية ،وخطة القرآن هي العمل على النفاذ إلى عقول هؤلاء وقلوبهم لإخراجهم من اللامبالاة ،وهذا ما تثيره الآيات التالية التي تطرح عليهم علامات استفهام غرضها تحريك فكرهم ووجدانهم ،في اتجاه المزيد من التأمل والتفكير ومناقشة قناعاتهم الكافرة المشركة .