قوله تعالى:{مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى} .
صيغة الجمع في قوله: خلقنا للتعظيم .
وقوله: إلا بالحق أي خلقا متلبساً بالحق .
والحق ضد الباطل ،ومعنى كون خلقه للسماوات والأرض متلبساً بالحق أنه خلقهما لحكم باهرة ،ولم يخلقهما باطلاً ،ولا عبثاً ،ولا لعباً ،فمن الحق الذي كان خلقهما متلبساً به ،إقامة البرهان ،على أنه هو الواحد المعبود وحده جل وعلا ،كما أوضح ذلك في آيات كثيرة لا تكاد تحصيها في المصحف الكريم كقوله تعالى في البقرة{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ} [ البقرة: 163] ثم أقام البرهان على أنه هو الإله الواحد بقوله بعده:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [ البقرة: 164] .
فتلبس خلقه للسماوات والأرض بالحق واضح جداً ،من قوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض} إلى قوله{لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [ البقرة: 164] بعد قوله{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [ البقرة: 163] ،لأن إقامة البرهان القاطع على صحة معنى لا إله إلا الله هو أعظم الحق .
وكقوله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [ البقرة: 21]{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [ البقرة: 22] ، لأن قوله:{اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} فيه معنى الإثبات من لا إله إلا الله .
وقوله{فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} يتضمن معنى النفي منها على أكمل وجه وأتمه .
وقد أقام الله جل وعلا البرهان القاطع ،على صحة معنى لا إله إلا الله ،نفياً وإثباتاً ،بخلقه للسماوات والأرض ،وما بينهما في قوله{الَّذي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً} الآية .
وبذلك تعلم أنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا خلقاً متلبساً بأعظم الحق ،الذي هو إقامة البرهان القاطع ،على توحيده جل وعلا ،ومن كثرة الآيات القرآنية ،الدالة على إقامة هذا البرهان ،القاطع المذكور ،على توحيده جل وعلا ،علم من استقراء القرآن ،أن العلامة الفارقة من يستحق العبادة ،وبين من لا يستحقها ،هي كونه خالقاً لغيره ،فمن كان خالقاً لغيره ،فهو المعبود بحق ،ومن كان لا يقدر على خلق شيء ،فهو مخلوق محتاج ،لا يصح أن يعبد بحال .
فالآيات الدالة على ذلك كثيرة جداً كقوله تعالى في البقرة المذكورة آنفاً:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [ البقرة: 21] الآية .
فقوله:{الَّذِي خَلَقَكُمْ} يدل على أن المعبود هو الخالق وحده ،وقوله تعالى:{أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شيء} [ الرعد: 16] الآية .يعني وخالق كل شيء هو المعبود وحده .
وقد أوضح تعالى هذا في سورة النحل ،لأنه تعالى لما ذكر فيها البراهين القاطعة ،على توحيده جل وعلا ،في قوله{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} إلى قوله{وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} أتبع ذلك بقوله{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [ النحل: 3 -17] .
وذلك واضح جداً في أن من يخلق غيره هو المعبود وأن من لا يخلق شيئاً لا يصح أن يعبد .
ولهذا قال تعالى بعده قريباً منه{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [ النحل: 20] .وقال تعالى في الأعراف{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [ الأعراف: 191] .وقال تعالى في الحج{يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ} [ الحج: 73] أي ومن لم يقدر أن يخلق شيئاً لا يصح أن يكون معبوداً بحال وقال تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} [ الأعلى: 1 -2] الآية .
ولما بين تعالى في أول سورة الفرقان ،صفات من يستحق أن يعبد ،ومن لا يستحق ذلك .
قال في صفات من يستحق العبادة:{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شيء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [ الفرقان: 2] .
وقال في صفات من لا يصح أن يعبد{وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءْالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [ الفرقان: 3] .
والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً وكل تلك الآيات تدل دلالة واضحة على أنه تعالى ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا خلقاً متلبساً بالحق .
وقد بين جل وعلا أن من الحق الذي خلق السماوات والأرض وبينهما ،خلقاً متلبساً به ،تعليمه خلقه أنه تعالى على كل شيء قدير ،وأنه قد أحاط بكل شيء علماً ،وذلك في قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شيء عِلْمَا} [ الطلاق: 12] .
فلام التعليل في قوله: لتعلموا متعلقة بقوله{خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} الآية وبه تعلم أنه ما خلق السماوات السبع ،والأرضين السبع ،وجعل الأمر يتنزل بينهن ،إلا خلقاً متلبساً بالحق .
ومن الحق الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما خلقاً متلبساً به ،هو تكليف الخلق ،وابتلاؤهم أيهم أحسن عملاً ،ثم جزاؤهم على أعمالهم ،كما قال تعالى في أول سورة هود:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [ هود: 7] .
فلام التعليل في قوله: ليبلوكم متعلقة بقوله{خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} وبه تعلم أنه ما خلقهما إلا خلقاً متلبساً بالحق .
ونظير ذلك قوله تعالى في أول الكهف{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} [ الكهف: 7] .وقوله تعالى في أول الملك:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [ الملك: 2] .
ومما يوضح أنه ما خلق السماوات والأرض إلا خلقاً متلبساً بالحق ،قوله تعالى في آخر الذاريات{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} [ الذاريات: 56 -57] .
سواء قلنا: إن معنى إلا ليعبدون أي لآمرهم بعبادتي فيعبدني السعداء منهم ،لأن عبادتهم يحصل بها تعظيم الله وطاعته ،والخضوع له كما قال تعالى:{فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} [ الأنعام: 89] .وقال تعالى:{فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأمُونَ} [ فصلت: 38] .
أو قلنا: إن معنى إلا ليعبدون أي إلا ليقروا لي بالعبودية ،ويخضعوا ويذعنوا لعظمتي ،لأن المؤمنين يفعلون ذلك طوعاً ،والكفار يذعنون لقهره وسلطانه تعالى كرهاً .
ومعلوم أن حكمة الابتلاء والتكليف لا تتم إلا بالجزاء على الأعمال .
وقد بين تعالى أن من الحق الذي خلق السماوات والأرض خلقا متلبساً به ،جزاء الناس بأعمالهم ،كقوله تعالى في النجم{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى} [ النجم: 31] .
فقوله تعالى:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض} أي هو خالقها ومن فيهما{لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ} الآية .
ويوضح ذلك قوله تعالى في يونس{إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [ يونس: 4] .
ولما ظن الكفار أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ،لا لحكمة تكليف وحساب وجزاء ،هددهم بالويل من النار ،بسبب ذلك الظن السييء ،في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَالِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ} [ ص: 27] .
وقد نزه تعالى نفسه عن كونه خلق الخلق عبثاً ،لا لتكليف وحساب وجزاء ،وأنكر ذلك على من ظنه ،في قوله تعالى{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [ المؤمنون: 115-116] .
فقوله ( فتعالى الله ) أي تنزه وتعاظم ،وتقدس ،عن أن يكون خلقهم لا لحكمة تكليف وبعث ،وحساب وجزاء .
وهذا الذي نزه تعالى عنه نفسه ،نزهه عنه أولو الألباب ،كما قال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلَافِ الليل وَالنَّهَارِ لآيات لأولي الألباب الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} إلى قوله:{رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [ آل عمران: 190-191] ،فقوله عنهم{سُبْحَانَكَ} أي تنزيهاً لك ،عن أن تكون خلقت هذا الخلق ،باطلاً لا لحكمة تكليف ،وبعث وحساب وجزاء .
وقوله جل وعلا في آية الأحقاف هذه:{مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ} ،يفهم منه أنه لم يخلق ذلك باطلاً ،ولا لعباً ولا عبثاً .
وهذا المفهوم جاء موضحاً في آيات من كتاب الله كقوله تعالى{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} الآية ،وقوله تعالى:{رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} ،وقوله تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِين َمَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [ الدخان: 38 -39] .
وقوله تعالى في آية الأحقاف هذه{وَأَجَلٍ مُّسَمًى} معطوف على قوله:{بِالْحَقِّ} أي ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا خلقاً متلبساً بالحق ،وبتقدير أجل مسعى ،أي وقت معين محدد ينتهي إليه أمد السماوات والأرض ،وهو يوم القيامة كما صرح الله بذلك في أخريات الحجر في قوله تعالى{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ} [ الحجر: 85] الآية .
فقوله في الحجر:{وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ} بعد قوله{إِلاَّ بِالْحَقِّ} يوضح معنى قوله في الأحقاف{إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى} .
وقد بين تعالى في آيات من كتابه أن للسماوات والأرض أمداً ينتهي إليه أمرهما .كما قال تعالى:{والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [ الزمر: 67] .وقال تعالى:{يَوْمَ نَطْوِى السَّمَآءَ كَطَي السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [ الأنبياء: 104] .وقوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض وَالسَّمَاوَاتُ} [ إبراهيم: 48] وقوله:{وَإِذَا السَّمَآءُ كُشِطَتْ} [ التكوير: 11] وقوله تعالى{يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض وَالْجِبَالُ} [ المزمل: 14] الآية .إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ} .
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن الكفار معرضون عما أنذرتهم به الرسل جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى في البقرة:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [ البقرة: 6] وقوله في يس{وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَءَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} [ يس: 10] .وقوله تعالى:{وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [ الأنعام: 4 – يس: 46] ؛والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة .
والإعراض عن الشيء الصدود عنه .وعدم الإقبال إليه .
قال بعض العلماء: وأصله من العرض بالضم .وهو الجانب ؛لأن المعرض عن الشيء يوليه بجانب عنقه ؛صاداً عنه .
والإنذار: الإعلام المقترن بتهديد ؛فكل إنذار إعلام وليس كل إعلام إنذاراً .
وقد أوضحنا معاني الإنذار في أول سورة الأعراف .
{وَمَا} في قوله{عَمَّآ أُنذِرُواْ} قال بعض العلماء هي موصولة ؛والعائد محذوف ،أي الذين كفروا معرضون عن الذي أنذروه .أي خوفوه من عذاب يوم القيامة ؛وحذف العائد المنصوب بفعل أو وصف مضطرد كما هو معلوم .
وقال بعض العلماء: هي مصدرية .أي والذين كفروا معرضون عن الإنذار ،ولكليهما وجه .