{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فإن هذه الدعوة لا تحمل في مضمونها الفكري أيّ أساسٍ منطقي يحترم عقل الإنسان ،فإذا كان هؤلاء الشركاء لا يستجيبون لمن يعبدونهم في حاجاتهم وقضاياهم ومشاكلهم ،لأنهم بين حجر أو خشب جامد لا حياة فيه ولا حركة ،وبين شخص إنساني أو جني أو ملائكي ،لا يملك أيّة قدرة ذاتية على الاستجابة لهم ،فكيف يمكن أن يكونوا آلهةً أو رموزاً تحمل أسراراً إلهية تجعلهم وسطاء بين الناس والآلهة ؟هل هناك أساسٌ لهذه الدعوة سوى الانجرار العاطفي الساذج نحو تقليد أوهام الآباء والأجداد بعيداً عن العقل ؟{وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} وهذه صفةٌ أخرى لهؤلاء الآلهة ،فهم لا يعون الدعوة لعبادتهم ،لأنهم غافلون عنها غفلة الجماد عمّا حوله ،لفقدانهم الإحساس ،أو غفلة الشخص الحيّ عما يعتقد الآخرون فيه ،لعدم اطلاعه على ذلك ،ما يجعل دعاءهم من قبل الداعي تعبيراً ذاتياً يتبخَّر في الهواء دون أن يترك أيّ أثرٍ يستجلب الاستجابة من تلك الآلهة .
وربما كانت كلمة «غافلون » جاريةً على سبيل الكناية عن عدم الوعي الذاتي والفعلي لدى هؤلاء الشركاء ،سواء بسبب كونهم من الجماد أو من الموجودات الحيّة ،فلا وجه لما استفاده صاحب الميزان من الآية في ما قاله في تفسيره: «وفي الآية دلالة على سراية الحياة والشعور في الأشياء حتى الجمادات ،فإن الأصنام من الجماد ،وقد نسب إليها الغفلة ،والغفلة من شؤون ذوي الشعور لا تطلق إلا على ما من شأن موصوفه أن يشعر »[ 2] ..فإن الآية ليست في مجال الإيحاء بتفاصيل الموضوع ،بل هيفي ما يظهرفي مقام الحديث عن طبيعته من حيث الدلالة على عمق ضلال المشركين .