وقال تعالى لعيسى( ع ){قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} إنَّه منزلها عليهم ،كما طلبوا وكما أحبوا ،{فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ} .ولكن من شرط المعاجز أنَّها تطبق بالحجّة على مقترحيها ،فلا مجال معها لأيّة رحمةٍ أو عفوٍ أو مغفرةٍ ،بل هو العذاب الشديد الَّذي لا يعذّب به أحداً من العالمين ،لأنَّ الجحود ، بعد ذلكيُمثِّل أقصى حالات التمرّد والكفران .
وهكذا وقفت الآيات عند هذا الحد ،فلم تتحدث عن طبيعة ما حدث بعد ذلك ،هل تراجعوا عن طلبهم بعد هذا التهديد ،فلم ينزلها الله عليهم لذلك ؟!أو أنَّهم استمروا على هذا الطلب ،وأنَّ الله قد أنزلها عليهم ،كما توحي بها كلمة{إِنِّي مُنَزِّلُهَا} الّتي تدل على التحقق ،وليس لنا أن نفيض في ذلك كله ،بل نسكت على ما سكت الله عنه ،لأنَّه لا يتعلّق بشأنٍ من شؤون العقيدة أو أمر من أمور العمل .وقد يبدو للبعض أن يعترض على هذه القصة ،فيقول: إنَّ النصارى لا يعرفونها بما جاء به الإنجيل ،أو بما تناقلته كتب التاريخ ،ولكنَّ ذلك لا يصلح دليلاً للنفي ،لأنَّ من الممكن أن يكون قد سقط في ما سقط من بعض آيات الإنجيل ،أو يكون مما أغفله المؤرّخون ،أو لم يطلعوا عليه ككثير من القضايا الّتي عاشت في التاريخ القديم .