أي:فمن كذب بها من أمتك يا عيسى وعاندها ( فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) أي:من عالمي زمانكم ، كقوله:( ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) [ غافر:46] ، وكقوله:( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [ النساء:145] .
وقد روى ابن جرير ، من طريق عوف الأعرابي ، عن أبي المغيرة القواس ، عن عبد الله بن عمرو قال:إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة:المنافقون ، ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون .
ذكر أخبار رويت عن السلف في نزول المائدة على الحواريين:
قال أبو جعفر بن جرير ، حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، عن ليث ، عن عقيل عن ابن عباس:أنه كان يحدث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل:هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له . ففعلوا ، ثم قالوا:يا معلم الخير ، قلت لنا:إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ، ففعلنا ، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا حين نفرغ طعاما ، فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى:( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين . قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين . قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين . قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قال:فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء ، عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة ، حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .
كذا رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، قال:كان ابن عباس يحدث ، فذكر نحوه .
وقال ابن أبي حاتم أيضا:حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، حدثنا عقيل بن خالد ، أن ابن شهاب أخبره عن ابن عباس ; أن عيسى ابن مريم قالوا له:ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء ، قال:فنزلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أحوات ، وسبعة أرغفة ، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي ، حدثنا سفيان بن حبيب ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار بن ياسر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"نزلت المائدة من السماء ، عليها خبز ولحم ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا ورفعوا ، فمسخوا قردة وخنازير "
وكذا رواه ابن جرير ، عن الحسن بن قزعة ثم رواه ابن جرير ، عن ابن بشار ، عن ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار ، قال:نزلت المائدة وعليها ثمر من ثمار الجنة ، فأمروا ألا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدخروا . قال:فخان القوم وخبئوا وادخروا ، فمسخهم الله قردة وخنازير .
وقال ابن جرير:حدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود ، عن سماك بن حرب ، عن رجل من بني عجل ، قال:صليت إلى جنب عمار بن ياسر ، فلما فرغ قال:هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال:قلت:لا قال:إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد ، قال:فقيل لهم:فإنها مقيمة لكم ما لم تخبؤوا ، أو تخونوا ، أو ترفعوا ، فإن فعلتم فإني معذبكم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، قال:فما مضى يومهم حتى خبؤوا ورفعوا وخانوا ، فعذبوا عذابا لم يعذبه أحد من العالمين . وإنكم - معشر العرب - كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء ، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم ، تعرفون حسبه ونسبه ، وأخبركم أنكم ستظهرون على العجم ، ونهاكم أن تكتنزوا الذهب والفضة . وأيم الله ، لا يذهب الليل والنهار حتى تكنزوهما ويعذبكم الله عذابا أليما .
وقال:حدثنا القاسم ، حدثنا حسين ، حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن إسحاق بن عبد الله ، أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ، يأكلون منها ما شاؤوا . قال:فسرق بعضهم منها وقال:"لعلها لا تنزل غدا ". فرفعت .
وقال العوفي ، عن ابن عباس:نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين ، خوان عليه خبز وسمك ، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا . وقال خصيف ، عن عكرمة ومقسم ، عن ابن عباس:كانت المائدة سمكة وأرغفة . وقال مجاهد:هو طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا . وقال أبو عبد الرحمن السلمي:نزلت المائدة خبزا وسمكا . وقال عطية العوفي:المائدة سمك فيه طعم كل شيء .
وقال وهب بن منبه:أنزلها من السماء على بني إسرائيل ، فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة ، فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى ، فكان يقعد عليها أربعة آلاف ، فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك لمثلهم . فلبثوا على ذلك ما شاء الله عز وجل .
وقال وهب بن منبه:نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات ، وحشا الله بين أضعافهن البركة ، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ، ثم يجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون ، حتى أكل جميعهم وأفضلوا .
وقال الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جبير:أنزل عليها كل شيء إلا اللحم .
وقال سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن زاذان وميسرة وجرير ، عن عطاء ، عن ميسرة قال:كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم .
وعن عكرمة:كان خبز المائدة من الأرز . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن أبي حاتم:أخبرنا جعفر بن علي فيما كتب إلي ، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني أبو عبد الله عبد القدوس بن إبراهيم بن عبيد الله بن مرداس العبدري - مولى بني عبد الدار - عن إبراهيم بن عمر ، عن وهب بن منبه ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الخير ; أنه قال:لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة ، كره ذلك جدا وقال:اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض ، ولا تسألوا المائدة من السماء ، فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم ، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية ، فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها . فأبوا إلا أن يأتيهم بها ، فلذلك قالوا:( نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ) الآية .
فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها ، قام فألقى عنه الصوف ، ولبس الشعر الأسود ، وجبة من شعر ، وعباءة من شعر ، ثم توضأ واغتسل ، ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله ، فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا ، فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع ، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره ، وغض بصره ، وطأطأ رأسه خشوعا ، ثم أرسل عينيه بالبكاء ، فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه ، فلما رأى ذلك دعا الله فقال:( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ) فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين:غمامة فوقها وغمامة تحتها ، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوفا للشروط التي اتخذها الله عليهم - فيها:أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين - وهو يدعو الله من مكانه ويقول:اللهم اجعلها رحمة ، إلهي لا تجعلها عذابا ، إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني ، إلهي اجعلنا لك شكارين ، إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا وجزاء ، إلهي اجعلها سلامة وعافية ، ولا تجعلها فتنة ومثلة .
فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسى والحواريين وأصحابه حوله ، يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط ، وخر عيسى والحواريون لله سجدا شكرا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة ، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرا عجيبا أورثهم كمدا وغما ، ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى . والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة ، فإذا عليها منديل مغطي . قال عيسى:من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة ، وأوثقنا بنفسه ، وأحسننا بلاء عند ربه؟ فليكشف عن هذه الآية حتى نراها ، ونحمد ربنا ، ونذكر باسمه ، ونأكل من رزقه الذي رزقنا . فقال الحواريون:يا روح الله وكلمته ، أنت أولانا بذلك ، وأحقنا بالكشف عنها . فقام عيسى ، - عليه السلام - ، واستأنف وضوءا جديدا ، ثم دخل مصلاه فصلى كذلك ركعات ، ثم بكى بكاء طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها ، ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا . ثم انصرف فجلس إلى السفرة وتناول المنديل ، وقال:"باسم الله خير الرازقين "، وكشف عن السفرة ، فإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية ، ليس عليها بواسير ، وليس في جوفها شوك ، يسيل السمن منها سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث ، وعند رأسها خل ، وعند ذنبها ملح ، وحول البقول خمسة أرغفة ، على واحد منها زيتون ، وعلى الآخر ثمرات ، وعلى الآخر خمس رمانات .
فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى:يا روح الله وكلمته ، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال:أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات ، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية! فقال شمعون:وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالا يا ابن الصديقة . فقال عيسى ، - عليه السلام -:ليس شيء مما ترون من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا ، إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة العالية القاهرة ، فقال له:كن . فكان أسرع من طرفة عين ، فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم ، فإنه بديع قادر شاكر .
فقالوا:يا روح الله وكلمته ، إنا نحب أن ترينا آية في هذه الآية . فقال عيسى:سبحان الله! أما اكتفيتم بما رأيتم في هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى؟ ثم أقبل عيسى ، - عليه السلام - ، على السمكة ، فقال:يا سمكة ، عودي بإذن الله حية كما كنت . فأحياها الله بقدرته ، فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية ، تلمظ كما يتلمظ الأسد ، تدور عيناها لها بصيص ، وعادت عليها بواسيرها . ففزع القوم منها وانحازوا . فلما رأى عيسى ذلك منهم قال:ما لكم تسألون الآية ، فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون! يا سمكة ، عودي بإذن الله كما كنت . فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول .
فقالوا لعيسى:كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ، ثم نحن بعد فقال عيسى:معاذ الله من ذلك! يبدأ بالأكل من طلبها . فلما رأى الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها ، خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة ، فتحاموها . فلما رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزمنى ، وقال:كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ، واحمدوا الله الذي أنزلها لكم ، فيكون مهنؤها لكم ، وعقوبتها على غيركم ، وافتتحوا أكلكم باسم الله ، واختموه بحمد الله ، ففعلوا ، فأكل منها ألف وثلاثمائة إنسان بين رجل وامرأة ، يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ أنزلت من السماء ، لم ينتقص منها شيء ، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون فاستغنى كل فقير أكل منها ، وبرئ كل زمن أكل منها ، فلم يزالوا أغنياء صحاحا حتى خرجوا من الدنيا .
وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة ، سالت منها أشفارهم ، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات ، قال:فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضا:الأغنياء والفقراء ، والصغار والكبار ، والأصحاء والمرضى ، يركب بعضهم بعضا . فلما رأى ذلك جعلها نوائب ، تنزل يوما ولا تنزل يوما . فلبثوا في ذلك أربعين يوما ، تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعة يؤكل منها ، حتى إذا قاموا ارتفعت عنهم . بإذن الله إلى جو السماء ، وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم .
قال:فأوحى الله إلى نبيه عيسى ، - عليه السلام - ، أن اجعل رزقي المائدة ، لليتامى والفقراء والزمنى دون الأغنياء من الناس ، فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من الناس ، وغمطوا ذلك ، حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس ، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر ، وأدرك الشيطان منهم حاجته ، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى:أخبرنا عن المائدة ، ونزولها من السماء أحق ، فإنه قد ارتاب بها بشر منا كثير؟ فقال عيسى ، - عليه السلام -:هلكتم وإله المسيح! طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم ، فلما أن فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقا ، وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها ، وشككتم فيها ، فأبشروا بالعذاب ، فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله .
وأوحى الله إلى عيسى:إني آخذ المكذبين بشرطي ، فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين . قال فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين ، فلما كان في آخر الليل مسخهم الله خنازير ، فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات .
هذا أثر غريب جدا . قطعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة ، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل ، أيام عيسى ابن مريم ، إجابة من الله لدعوته ، وكما دل على ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم:( قال الله إني منزلها عليكم ) الآية .
وقد قال قائلون:إنها لم تنزل . فروى ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد في قوله:( أنزل علينا مائدة من السماء ) قال:هو مثل ضرب ، ولم ينزل شيء .
رواه ابن أبي حاتم وابن جرير . ثم قال ابن جرير:حدثني الحارث ، حدثنا القاسم - هو ابن سلام - حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال:مائدة عليها طعام ، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا ، فأبوا أن تنزل عليهم .
وقال أيضا:حدثنا ابن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ; أنه قال في المائدة:لم تنزل .
وحدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال:كان الحسن يقول:لما قيل لهم:( فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قالوا:لا حاجة لنا فيها ، فلم تنزل .
وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن ، وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى وليس هو في كتابهم ، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله ، وكان يكون موجودا في كتابهم متواترا ، ولا أقل من الآحاد ، والله أعلم . ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت ، وهو الذي اختاره ابن جرير ، قال:لأنه تعالى أخبر بنزولها بقوله تعالى:( إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) قال:ووعد الله ووعيده حق وصدق .
وهذا القول هو - والله أعلم - الصواب ، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم . وقد ذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير نائب بني أمية في فتوح بلاد المغرب ، وجد المائدة هنالك مرصعة باللآلئ وأنواع الجواهر ، فبعث بها إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك ، باني جامع دمشق ، فمات وهي في الطريق ، فحملت إلى أخيه سليمان بن عبد الملك الخليفة بعده ، فرآها الناس وتعجبوا منها كثيرا لما فيها من اليواقيت النفيسة والجواهر اليتيمة . ويقال إن هذه المائدة كانت لسليمان بن داود ، عليهما السلام ، فالله أعلم .
وقد قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عمران بن الحكم ، عن ابن عباس قال:قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم -:ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك قال:"وتفعلون؟ "قالوا:نعم . قال:فدعا ، فأتاه جبريل فقال:إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول لك:إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا ، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة . قال:"بل باب التوبة والرحمة ".
ثم رواه أحمد وابن مردويه والحاكم في مستدركه ، من حديث سفيان الثوري ، به .