{هَلُمَّ}: جاء في المجمع: قال الزجاج إنها «هاءٌ » ضمّت إليها «لم » وجعلتا كالكلمة الواحدة ،فأكثر اللغات أن يقال: هلمّ للواحد والاثنين والجماعة ،بذلك جاء القرآن نحو قوله هلمّ إلينا ،ومعنى{هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ} هاتوا شهداءكم ،ومن العرب من يثني ويجمع ويؤنث فيقول للمذكر: هلم ،وللاثنين: هلمّا ،وللجماعة هلمّوا ،وللمؤنث هلمّي ،وللنسوة: هلممن ،وفتحت لأنها مدغمة كما فتحت رُدَّيا هذا في الأمر لالتقاء الساكنين ،ولا يجوز فيها هلمُّ للواحد بالضمّ كما يجوز في ردّ الفتح والضم والكسر لأنها لا تتصرف .
قال أبو علي: هي في اللغة الأولى بمنزلة رويد وصه ومه ونحو ذلك من الأسماء التي سميت بها الأفعال ،وفي الأخرى بمنزلة ردّ في ظهور علامات الفاعلين فيها كما يظهر في ردّ ،وأما هاء اللاحق بها فهي التي للتنبيه لحقت أوّلاً لأن لفظ الأمر قد يحتاج إلى استعطاف المأمور به واستدعاء إقباله على الأمر ،فهو لذلك يقرب من المنادى ومن ثم دخل حرف التنبيه في ألا يا اسجدوا ألا ترى أنه أمر كما أن هذا أمر ،وقد دخل في جمل أخر نحوها أنتم هؤلاء ،فكما دخل في هذه المواضع كذلك لحقت في لُمَّ ،إلا أنه كثر الاستعمال معها فغيِّر بالحذف لكثرة الاستعمال كأشياء تغير لذلك ،نحو لم أبَلْ ولم أدر وما أشبه ذلك مما يغير للكثرة
{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا} قل لهم ذلك ..فإنهم لا يملكون شاهداً يشهد لهم بما يريدون من شرعية الشرك والتشريع المدّعى ،لأن القضية لا تحمل أيّة لمحة من لمحات الحقيقة من قريبٍ أو من بعيد ،فإذا استطاع هؤلاء الناس أن يخدعوا آخرين ليشهدوا لهم ،بما يثيرونه في أفكارهم من أساليب الخداع ،أو وجدوا من يقدم شهادته مجاناً ،بسبب عاطفةٍ أو مجاملةٍ ،أو من يبيعها لقاء ثمن ..{فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ} لأنك تعرف الحقيقة جيّداً ،فكيف تشهد على ما تتيقن بكذبه{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخرةِ} لأنهم ينطلقون من أهوائهم في ما يفعلون ويتركون ،وفي ما يؤمنون ويكفرون ،فالحياة عندهم فرصةٌ لإِشباع الشهوة ،واتّباع الهوى .
وهم لا يلجأون إلى قاعدة ثابتةٍ في إيمانهم تقوم على الحجة البالغة المنطلقة من الفكر الواعي المتزن الذي يؤكد الحقيقة من خلال الدليل ،بل يتحركون في إيمانهم من تقليدهم لآبائهم على أساس العلاقة العاطفية دون محاكمة لمستواها الفكري أو لمضمونها .وهكذا يستغرقون فيها لتتحول عندهم إلى عقيدة لا أساس لها من تأمّلٍ وتفكير ،أو من الابتعاد عن تعب الفكر الذي يناقش القضايا ،فيأخذون بأيّ فكرٍ طارىء من دون أن يتحمّلوا المشقة في محاكمته بالحجّة والدليل ،أو بفعل الانسجام مع ما اعتادوه من مجتمعهم ،فيصعب عليهم مفارقته والتحرر منه ،لأن الإنسان في ضعفه الذاتي لا يحب الابتعاد عما ألفه واعتاده أو عاش في أجوائه ،وهكذا يتبعون الهوى الذي يتحركون في خطه من دون إعمالٍ لعقل أو تركيزٍ لرأي ومن دون قاعدةٍ لعقيدة .
فهم يسيرون في هذا الخط بعد أن فقدوا القاعدة التي تضبط لهم أوضاعهم وتخطّط لهم كل مسيرتهم في الحياة ،وذلك من خلال تكذيبهم بآيات الله ،وعدم إيمانهم بالآخرة{وَهُم بِرَبهِمْ يَعْدِلُونَ} ويشركون به غيره ويجعلون له عدلاً وشريكاً ،فكيف يمكن للإنسان أن ينسجم معهم ويلتقي بهم ،في أيّ منعطف من منعطفات الطريق ؟!