وتبقى السورة في أجواء الالتزام بالخط الرسالي الإلهي كخطٍّ للفكر والعمل ،بحيث يتحول المؤمنون إلى طاقاتٍ حيةٍ متحركةٍ منطلقة نحو الإنتصار لله في كل ما أراد لهم أن ينصروه من الدين والأرض والإنسان .وهكذا استعادت أجواء عيسى( ع ) عندما انطلقت رسالته في خط الدعوة ،وبدأت التحديات تقف في وجهه ،وتحرك الأعداء ليفتحوا معركة إسقاط الرسالة الجديدة والرسول الجديد ،فبدأ دعوته للمؤمنين به أن يكونوا أنصار الله معه ،فاستجابوا له .وجاء الوحي القرآني ليدعو المؤمنين بالإسلام أن يكونوا أنصار الله مع الرسول في كل ساحات الصراع ،{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ أَنصَارَ اللَّهِ} فإن الإيمان بالله يفرض عليكم ذلك ،في ما يفرضه عليكم من الذوبان في روحية العبودية له والالتزام بكل مواقع رضاه ،{كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ} الذين عاشوا الرسالة فكراً وروحاً وحياة حتى اندمجوا معه في كل مشاريعه الرسالية:{مَنْ أَنَّصَارِي إِلَى اللَّهِ} في نداء يريد أن يؤكد الالتزام ويعلنه في عملية فرزٍ ظاهر للمؤمنين وغير المؤمنين ،في الامتحان الذي يدلل على عمق الانتماء وطبيعة الموقف ،ويعمل على أن يثير مشاعر الآخرين ليتعاطفوا مع دعوته ،ويوحي للأعداء بأنه قادم بأنصاره إلى ساحة الصراع .{قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} ولذلك كنّا معك في موقع النصرة الملتزمة بخطك ونهجك وموقعك ،لأنك رسول الله الذي أراد منّا أن نكون معك لنكون مع رسالته .
وهكذا تمّت عملية التمايز للناس تبعاً لموقفهم من عيسى( ع )،{فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَني إِسْرَائيلَ} بعيسى ورسالته،{وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ} به{فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ}َ أي غالبين ،بحيث استطاعوا أن يثبتوا الحق في موقفهم بالحجة والبرهان ،كما تمكنوا من الوصول إلى هدفهم الكبير وهو إبقاء وجودهم حياً فاعلاً أمام التحديات التي كانت تريد إلغاء مواقعهم الرسالية ،ليبقى الكفر وحده هو القوة الفاعلة ،وهذا لون من ألوان الغلبة التي تشمل الانتصار على خطة العدو في إلغاء الوجود كله .