/م10
المفردات:
أنصار الله: الناصرون لدينه .
الحواريون: أصفياء عيسى وخواصه .
أيّدنا: قوينا وساعدنا .
على عدوّهم: الكفار .
ظاهرين: غالبين .
التفسير:
14-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} .
نداء إلهي علويّ للمؤمنين المجاهدين ،بأن يكونوا أنصارا لدين الله ،وضرب لهم مثلا بعيسى ابن مريم ،مع أتباعه المخلصين ،حين قال عيسى:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ...}
وهو استفهام يراد به الحثّ والحضّ على الانضمام إلى قافلة التبشير بالدين ،والجهاد في سبيل نشر هذا الدين .
قال المفسرون:
الحواريون هم أتباع عيسى وأصفياؤه ،وأول من آمن به ،وكانوا اثني عشر رجلا ،فرّقهم في البلاد ،وبعثهم دعاة إلى الناس في البقاع المختلفة ،واشتقاق الحواريين من الحَوَر وهو البياض ،لأنه كان ملبسهمxv .وقيل: لنقاء ظاهرهم وباطنهم ،وقيل: الحواريون هم المجاهدون .
{قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ...}
أي: قال الرجال المخلصون من أتباع عيسى له:{نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ...}
انتدبنا أنفسنا لتلبية الدعوة ،والجهاد في سبيل توصيلها وتبليغها .
قال فخر الدين الرازي في التفسير الكبير:
والتشبيه في الآية محمول على المعنى ،أي: كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار الله .1ه .
{فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ...}
أي: فانقسم بنو إسرائيل إلى جماعتين:
جماعة آمنت بعيسى وصدّقت بأنه عبد الله ورسوله ،وجماعة كفرتْ وكذبتْ برسالة عيسى ،وقالت على مريم بهتان عظيما .
{فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ ...}
أي: قوّيناهم وأمددناهم بالهدى والتوفيق ،والدليل والبرهان والحجة الظاهرة .
فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ .فأصبحوا عالين غالبين على أعدائهم ،كما قال تعالى:{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} .( غافر: 51 ) .
قال ابن كثير:
لما بلّغ عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام رسالة ربه إلى قومه ،وآزره من آزره من الحواريين ،اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به ،وضلّت طائفة فخرجت عما جاءهم به ،وجحدوا نبوّته ،ورموه وأمه بالعظائم ،وهم اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ،وغَلَتْ فيه طائفة ممن اتبعه ،حتى رفعوه فوق ما أعطاه الله من النبوة ،وافترقوا فرقا وشيعا ،فمن قائل منهم ،إنه ابن الله ،وقائل: إنه ثالث ثلاثة ( الأب والابن وروح القدس ) ،ومن قائل: إنه الله .تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
{فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} .
فنصر الله المؤمنين على من عاداهم من فرق النصارى ،وقد أيّد الله المؤمنين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
جاء في ظلال القرآن ما يأتي:
وتأويل هذا النص يمكن أن يصرف إلى أحد معنيين:
إما أن الذين آمنوا برسالة عيسى عليه السلام هم المسيحيون إطلاقا ،من استقام ،ومن دخلت في عقيدته الانحرافات ،وقد أيدهم الله على اليهود الذين لم يؤمنوا به أصلا كما حدث في التاريخ .
وإما أن الذين آمنوا هم الذين أصرّوا على التوحيد في وجه المؤلِّهين لعيسى ،والمثلثين ،وسائر النحل التي انحرفت عن التوحيد ،ومعنى أنهم أصبحوا ظاهرين أي بالحجة والبرهان .
أو أن التوحيد الذي هم عليه هو الذي أظهره بهذا الدين الأخير ،وجعل له الجولة الأخيرة في الأرض كما وقع في التاريخ ،وهذا المعنى الأخير هو الأقرب والأرجح في السياق .
والعبرة المستفادة من هذه الإشارة ومن هذا النداء ،هي استنهاض همة المؤمنين بالدين الأخير ،الأمناء على منهج الله في الأرض ،ورثة العقيدة والرسالة الإلهية ،المختارين لهذه المهمة الكبرى ... استنهاض همتهم لنصرة الله ونصرة دينه:{كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ...}
والنصر في النهاية لأنصار الله المؤمنين . xvi