لقد عاش بنو إسرائيل حياةً ذاتيةً معقَّدةً ،بعد الاضطهاد الذي عاشوه في كثيرٍ من المواقع ،فلما جاءتهم النبوّات التي بدأت منذ موسى في صيغتها العامة البارزة ،تحوّلت العقدة إلى حالةٍ عنصرية ،تفاعلت فيها الكثير من العوامل والظروف المحيطة بهم ،حتى خُيِّل إليهم أنهم شعب الله المختار ،وأنهم أولياء الله وأحباؤه ،وأن الله جعل الدار الآخرة خالصةً لهم ،وقالوا لن يدخل الجنة إلا مَنْ كان هوداً .وتطور الوضع إلى أن بدأت هذه الفكرة تتحول إلى اتجاهاتٍ عدوانيةٍ ضد الأمم ،فكانوا المتآمرين والدساسين والمخربين .وقد عرض القرآن لهذه الفكرة في أكثر من آية ،وناقشها ،وتحدث إليهم بكل وضوح بأنهم بشر ممن خلق ،وليست لهم أية ميزةٍ ذاتيةٍ أو إلهية في أي جانبٍ من الجوانب .وهذه من بعض الآيات التي جاءت على سبيل التحدي الوارد من قبيل المباهلة ،التي تريد أن تتحدى كل المشاعر الداخلية التي تلتقي فيها مسألة الحياة والموت ،لتكشف زيف الإيمان الذي يدعونه ،وبطلان الموقع الذي يضعون أنفسهم فيه .
{قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُواْ} وانتموا إلى اليهودية التي تمثل الرسالة الإلهية التي أنزلت على موسى:{إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ} في ما تزعمونه لأنفسكم من المنزلة الكبيرة عند الله ،لأن الله اختاركم من بين عباده لتكونوا شعبه الذي يحبه ويختاره ويقربه إليه ،فتكون لكم الدرجة العليا التي تميزكم عن الآخرين ،{فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} لأن الإنسان المؤمن لا يكره لقاء الموت إلا من جهة خوفه من حساب الله ،في ما أخطأ فيه من ذنوبه وفي ما مارسه من المواقف التي تبعده عنه ،أما إذا كان واثقاً من قربه إلى الله وسلامته من العقاب ،وحصوله على الثواب ،فإنه يتمنى الموت ليحصل على نعيم الله ورضوانه في رحاب جنته ،وبذلك تكون الآخرة خيراً له من الأولى .
وعلى ضوء هذا ،فإن كنتم صادقين في دعواكم هذه المنزلة الرفيعة عند الله ،فتمنّوا الموت ،واقتحموه في ساحات الجهاد ،وانطلقوا إلى كل مواقع الخطر في سبيل الله ،