{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ} وهذه هي الحقيقة الوجودية التي تحكم وعي الوجود في حياتكم .فقد كنتم حالةً ضائعةً في العدم ،فأوجدكم الله بحكمته وقدرته ،وأطلق لكم حرية الاختيار في الالتزام بالخط الذي تريدونه ،فلم يفرض عليكم في تكوينكم الذاتي إيماناً ولا كفراً ،فانطلقتم في الحياة من موقع الاختيار الجيد لبعضكم ،والاختيار السيىء لبعض آخر .
{فَمِنكُمْ كَافِرٌ} أساء عملية الاختيار ،فأغلق عقله وقلبه عن وحي الفطرة ،وأغمض عينيه عن مشاهد العظمة في خلق الله ،وابتعد عن التفكير في ما توحي به الظواهر الكونية التي تدل على الله بأبلغ تعبير وأعظم تحليل ،فعاش اللامبالاة أمام كل علاقات الاستفهام التي تتحرك في وجدانه لتقود تفكيره إلى خط الإيمان بالله ،فكفر به من حيث يستطيع الإيمان به .
{وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} اختار الإيمان بالله من خلال انفتاحه على عمق الفطرة وسعة التفكير ووعي الكون كله ،في سر الإبداع فيه وفي صفاء التحليل بطبيعته ،وروعة الاستنتاج من تفاصيله ،فعرف الله في خلقه ،فآمن به في كل وجوده ،وخضع له في حركة حياته .{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فهو المطلع على كل مواقع الإيمان والكفر في ما كنتم تتحركون به من أسبابهما ،فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة .