{أفمَن يمشي مكبّاً على وجهه أهدى} وهذا هو الاستفهام الذي لا يراد منه معرفة مضمونه ،لوضوح الجواب فيه ،ولكن أريد منه الإنكار على هؤلاء الذين يختارون في حياتهم ما لا يجوز للإنسان أن يختاره ،لأنه مرفوضٌ من خلال دراسة طبيعة الأشياء في ذاتها ..فهل يمكن أن يكون الإنسان السائر في الطريق المملوءة بالمرتفعات والمنخفضات والمزالق والمهالك ،وهو مكبٌ على وجهه لا يرى ما حوله وما أمامه ،كمن يمشي بشكلٍ طبيعيّ وهو مستقيم في خطّه سويٌ في وضعه ،{أفمن يمشي سوياً على صراطٍ مستقيم} ،بحيث يرى كل ما يحيط به ،وما يبرز أمامه مما يمكن أن يواجهه من عثرات الطريق ،ويتعرف إلى كل السبل التي توصله إلى الغاية التي يريدها ،هل يكون هذا كذاك ،وهل يمكن أن يكون الأول أقرب إلى الهدى من الثاني ؟
إن هذا هو مثل الكفار والمؤمنين ،فإن الكفار يعيشون العمى العقلي والروحي والعملي في حياتهم ،لأنهم غير مستعدين للسماع وللتفكير وللحوار ،ما يجعلهم يتخبطون في طريق الوصول إلى النجاة ،فيهلكون من حيث يريدون النجاة ،ويتراجعون من حيث يريدون التقدم ،أمّا المؤمنون ،فهم المنفتحون على الحق ،في عقولهم ومشاعرهم وخطواتهم ،فلا يسيرون في طريق إلا إذا عرفوا بدايته ونهايته ،وخطّ السير فيه ،ولا يلتزمون بقيادة شخصٍ ،إلا إذا درسوا أفكاره وأوضاعه وسلامة خطه وصدق موقفه ،ولا يلتزمون بفكرةٍ إلا إذا درسوها وتأملوها ودخلوا في الحوار حولها ،ليحدِّدوا الحق والباطل فيها ،فهم على نورٍ من ربهم ،وعلى هدًى من أمرهم ،وهم المستقيمون على الطريق .