وتبقى الآيات في السورة لتثير في داخل الإنسان بعض القضايا المألوفة لديه في وجوده الذاتي ،ليفكر فيها بطريقةٍ تحليليةٍ تؤدّي به إلى الإيمان بالله من موقع الفكر الدقيق الذي يطرح السؤال في بعض الحالات ليتفاعل في النفس ،وليحصل على جوابٍ ذاتيٍّ من الداخل .
{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ} من العدم ،فهل فكرتم كيف كنتم قبل أن تكونوا في هذا الوجود ،وَمَنْ الذي أخرجكم من قلب العدم إلى حقيقة الوجود مبتعدين عن الأسباب المباشرة إلى ما وراءها من الأسرار المحيطة بالوسائل العادية المادية ،وإلى القوّة التي هي عنصر السببية الفعالة وحيوية الحركة ،وهل فكرتم في السمع الذي تسمعون به كل الأصوات ،وفي البصر الذي ترون به كل المرئيات ،والعقل الذي تدركون به كل الحقائق التي تتوجهون إليها من خلال المفردات المتجمعة لديكم ؟كيف ركّبت في كيانكم ؟ومن هو الذي جهزكم بها ؟هل يمكن أن يكون مثل هؤلاء الذين من حولكم أو مثل هذه الأشياء الجامدة التي تتعبدون لها ،وراء ذلك كله ؟أو أن الله وحده هو الذي جعلها لكم ؟!.إن الفكر السليم هو الذي يقف بكم على حقيقة الوجود في كل هذه الأجهزة الحسية والفكرية التي لولاها لما كان لوجودكم معنى ،وهو الذي أعطاكم الحياة ،{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ} التي تمثل النعمة العظيمة التي لا تدانيها نعمةٌ أخرى في وجودكم المادي ،ما يفرض عليكم الوعي العميق لذلك أن تشكروا الله بالانفتاح على معرفته والسير على خط طاعته ،ولكنكم غافلون عن ذلك كله ،مستغرقون في أجواء اللامبالاة{قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} فلستم الذين تعيشون الشكر من ناحية المبدأ ،لأنكم لا تتحركون من قاعدته الروحية .وربما كان المراد بالفقرة قلة الشكر وضعفه إذا كان قد حصل منهم في بعض الحالات .