{حَقِيقٌ}: جدير
{حَقِيقٌ عَلَي أَن لاَ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} وإذا كان الله قد اختارني لرسالته ،فمن الطبيعيّ أن أكون في موضع الثقة عنده ،وأن أرتفع إلى مستواها ،فأكون جديراً بالموقف الصادق الذي يجعلني ألتزم بالحق كما أنزله الله ،فلا أقول غيره .{قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} ،فلست مدّعياً يكتفي بالدعوى في تأكيد موقفه ،فلديّ بيّنة على ما أدّعيه ،ولكم أن تفكّروا فيها وتناقشوها ،وإن كنت أعتقد أنها لا تحتاج إلى تفكير لوضوح مضمونها ومدلولها .
موسى( ع ) يسعى لتحرير بني إسرائيل من قبضة فرعون
{فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِى إِسْرَائيلَ} ،هؤلاء الذين يعيشون الاضطهاد والاستعباد والذلّ والقهر ،فلا يملكون إرادة الحياة بما تفرضه من حركة الاختيار وتقرير المصير ؛الأمر الذي جعلهم يتبلّدون ويتصاغرون ويستسلمون للأمر الواقع ،دون أدنى تفكير في التغيير ،لاعتقادهم أن الظلم هو القضاء الذي لا يتبدل ،والقدر الذي لا يتغيّر ،على أساس أنه إرادة الله .وقد جاءت رسالة الأنبياء من أجل تحرير الإنسان من هذا الواقع الاستعباديّ الاستضعافيّ ،ليعيش حريته ،ويمارس قوّته ،ويتحوّل من عنصرٍ منفعلٍ بإرادة الآخرين ،إلى عنصرٍ فاعلٍ من خلال إرادته الحرّة القويّة ...وهذا ما أراده موسى عندما طلب من فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل ،ويرفع يده عنهم ويتركهم وشأنهم في ما يتصرفون به من شؤونهم الحياتية ،وبذلك يستطيع أن يفرّغ سلطان فرعون من قوته الحقيقية ،لأنّ المستضعفين هم القوّة الضاربة بيد المستكبرين ،بما يقدّمونه إليهم من طاقاتٍ كبيرة ،فهم المظلومون الذين يستخدمهم الظالمون ،ليكونوا أدوات الظلم ضدّ بعضهم البعض ،وضدّ الآخرين ،وقد تكون مشكلتهم كامنة في هذا الإيحاء المتواصل بمظلوميتهم الذي يعمّق في أنفسهم الشعور بالضعف ،مما يجمّد في داخلهم أية طاقةٍ للحركة في نطاق الثورة والتغيير ،ويركز فيهم فكرة الاستسلام للأمر الواقع ،فكان لا بد من إخراجهم من هذا الجو كله ،وتوعيتهم بأن الطغاة لا يملكون القوّة الذاتية ،لأن قوتهم مستمدّة من قوتهمهمليتنفسوا هواء الحرية فيعملوا على أن يصيروا أحراراً ،ويتخلصوا من أجواء الاستسلام ،ليفكروا بعملية التغيير .
ولم يكن فعل موسى صادراً في ذلك من عقدةٍ عائلية قوميّة ،بل كان صادراً من فكرةٍ رساليةٍ شاملة .أمّا خصوصيّة هؤلاء ،فقد تكون باعتبارهم الفئة الوحيدة المستضعفة في ذلك البلد ،أو لأن مطالبته بهموهم قومه تحمل مبرراً معقولاً في ذهنية المجتمع هناك ،إذ لا بد للإنسان من التفكير بقومه ،وتحمّل مسؤوليتهم .أما القوم الآخرون ،فقد يرون أنه لا شأن له بهم ،ولهذا فإنه لا يملك حقاً في المطالبة بهم ،وبذلك تدخل هذه المطالبة الخطوة الأولى في الطريق الطويل .