القول في تأويل قوله:حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)
قال أبو جعفر:اختلفت القرأة في قراءة قوله:"حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ".
فقرأه جماعة من قراء المكيين والمدنيين والبصرة والكوفة:(حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ) ، بإرسال "الياء "من "على "، وترك تشديدها, بمعنى:أنا حقيقٌ بأن لا أقول على الله إلا الحق= فوجهوا معنى "على "إلى معنى "الباء "كما يقال:"رميت بالقوس "و "على القوس ",و "جئت على حال حسنة "و "بحال حسنة ". (1) . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول:إذا قرئ ذلك كذلك, فمعناه:حريص على أن لا أقول، أو فحق أن لا أقول. (2) .
* * *
وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة:"حَقِيقٌ عَلَيَّ أَلا أَقُولَ"، بمعنى:واجب عليَّ أن لا أقول , وحق علي أن لا أقول.
* * *
قال أبو جعفر:والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى, قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القرأة, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته الصوابَ.
* * *
وقوله:"قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ"، يقول:قال موسى لفرعون وملئه:قد جئتكم ببرهان من ربكم، يشهدُ، أيها القوم، على صحة ما أقول، (3) وصدق ما أذكر لكم من إرسال الله إياي إليكم رَسولا فأرسل يا فرعون معي بني إسرائيل.
------------------
الهوامش:
(1) انظر ما سلف 11:317 ، تعليق:1 ، ومعاني القرآن للفراء 1:386 .
(2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:224 ، وكان في المطبوعة هنا:(( حريص على أن لا أقول إلا بحق )) ، وفي المخطوطة:(( حريص على أن لا أقول بحق لا أقول )) ، وكلتاهما خطأ ، والصواب من مجاز القرآن ، فهو نص كلامه .
(3) انظر تفسير (( البينة )) فيما سلف 10:242 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .