وقد جابه فرعون بأنه يخاطبه بالحق الذي لا ريب فيه ، وأنه يطالب برفع الظلم عن قومه بني إسرائيل ، قال له:{ حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق} .
{ حقيق}:فعيل من الحق ، وفيها مبالغة في التمسك ، أي حقا على ألا أقول على الله إلا الحق ، أي أنه حق على ألا أقول على الله إلا أنه رب العالمين ، وإنني لا أعترف لك بشيء مما تدعيه لنفسك ، وهذه مجابهة لمن هو في حال فرعون الذي يقول:ما علمت لكم من إله غيري ، فهذا صدع بالحق من غير أي مواربة ، وقال ذلك موسى ، ولم ينتظره حتى يطلب دليلا ، بل قال له موقنا مفحما{ قد جئتكم ببينة من ربكم} أي قد جئتكم بحجة مثبتة مبينة من ربكم ، وخاطبه بقوله:{ من ربكم} سالبا منه كل معاني الربوبية ، وقاصرا لها على رب العالمين ، فهو ربي وربكم ، وأول طلب طلبه رفع الظلم القائم ، وابتدأ بما يخصه فقال:{ فأرسل معي بني إسرائيل} الفاء للإفصاح عن شرط ، أي إن كنت قد أرسلت إليك وملئك من رب العالمين ، فأطلق معي بني إسرائيل من الذل الذي هم فيه .
ونلاحظ بعض إشارات بيانية:
الأولى – أنه حصر الألوهية في الله تعالى وأن فرعون ليس بإله ، وأن الله وحده هو الإله الحق في قوله:{ أن لا أقول على الله إلا الحق} أي في ألوهيته وعدله ، ولتكن أنت ما تكون .
الثانية – أنه أفرد الخطاب لفرعون في قوله:{ يا فرعون إني رسول} ، وجمع في قوله:{ قد جئتكم ببينة من ربكم} ، وأفرده في قوله:{ فأرسل معي بني إسرائيل} ؛ لأنه بسلطانه أسرهم ، وما كان ملؤه له إلا معاونين .
وجمعهم في قوله:{ قد جئتكم} ؛ لأن الدعوة الموسوية ، لهم جميعا ، ولأنهم أعوانه المشاركون له في ظلمه .
الثالثة – الإشارة بالرسالة بأنه حق عليه أن يبلغها صادقا .