وخاطبه الله بلهجة الإنكار ،{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} ؟!هل هناك غموض في طبيعة الأمر ،أو هناك تصور بعدم شمول الخطاب له ؟لا شيء من هذا وذاك ،لأن الأمر واضح في شموله للمجتمع كله ،ولكن إبليس كان يعيش في وادٍ آخر ،فقد كانت عنصريته تمنعه من أن يتنازل لعنصر آخر ،وكان هاجسه ذاته لا ربه ،فهي كل شيء بالنسبة إليه ؛أما علاقته بالله ،فإنها تخضع لعلاقته بأنانية نفسه ،فإذا ابتعدت عن تأكيد ذلك منه ،ابتعد عنه ؛وهكذا كان جوابه:{أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} ،فكيف يسجد الأعلى للأسفل ،والأفضل للمفضول ،فعنصري أقوى من عنصره وأرفع درجة ؛{خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فأنا مخلوق من النار وهو مخلوق من الطين ،والنار تفني الطين ،فكيف أتواضع له ؟!
وربما كان في ظن إبليس ،أن هذا المنطق التحليلي لدوافع تمرده على السجود ،يمكن أن ينفعه أو يشفع له عند الله ،فيعفو عنه ،ويقبل منه دفاعه… ولكن الله الذي ارتدى بالكبرياء رداءً لنفسه ،ومنعه عن غيره ،لأن كل من عداه هو مخلوق له محتقر في حاجته وفقره إليه… فمن أين يأتيهم الشعور بالكبر ؟!لا سيما إذا كان التكبر على مخلوقٍ نال الكرامة من الله ،مما يجعل من التكبُّر عليه تكبراً على طاعة الله وامتثال أوامره .