المفردات:
ما منعك ألا تسجد: ما ألزمك واضطرك إلى ألا تسجد ،فالمنع مجاز عن الإلجاء والاضطرار ،والاستفهام للتوبيخ والتقريع .
التفسير:
قال ما منعك ألا تسجد ...الآية .
أي: قال الله تعالى لإبليس: ما حملك ودعاك إلى ألا تسجد ؟!
والسؤال لإقامة الحجة ،وللتقريع والتوبيخ ،وإلا فهو سبحانه عالم بذلك .
قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .أي: قال إبليس أنا خير من آدم ؛لأني مخلوق من عنصر النار الذي هو أشرف من عنصر الطين والأشراف لا يليق به الانقياد لمن هو دونه ،والأعلى لا يليق به السجود للأدنى .
ولقد أورد المفسرون هنا كلاما لطيفا يفيد أن عدو الله قد أخطأ في زعمه أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين .
فإن الطين من شأنه الرزانة والأناة والتثبت ،وهو محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح ،والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة .
ولهذا خان إبليس عنصره ،ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله .
جاء في تفسير أبي السعود:
ولقد أخطأ اللعين حيث خص الفضل بما من جهة المادة والعنصر ،وزل عنه ما من جهة الفاعل كما أنبأ عنه قوله تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي .أي: بغير واسطة على وجه الاعتناء به .
وما من جهة الصورة كما نبه عليه بقوله تعالى: ونفخت فيه من روحي .
وما من جهة الغاية وهو ملاك الأمر فهو مؤهل للخلافة في الأرض ،وله خواص ليست لغيره ( 31 ) .
وجاء في تفسير ابن كثير:
وقول إبليس: أنا خير منه ...إلخ من العذر الذي هو أكبر من الذنب ؛إذ بين بأنه خير من آدم ؛لأنه خلق من النار وآدم خلق من الطين فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم ،وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ،ونفخ فيه من روحه .
وقاس قياسا فاسدا في مقابلة نص ،وهو قوله تعالى: فقعوا له ساجدين .
فشذ من بين الملائكة ؛لترك السجود فأبعده الله عن رحمته .
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من مارج من نار ،وخلق آدم مما وصف لكم )( 32 ) .