{خَلَقْنَاكُمْ}: الخلق: إحداث الشيء على تقدير تقتضيه الحكمة .
{صَوَّرْنَاكُمْ}: التصوير: جعل الشيء على صورة من الصور ،والصورة بنية مقومة على هيئة ظاهرة .
{اسْجُدُواْ}: السجود أصله الإنخفاض وحقيقته وضع الجبهة على الأرض .
عنصرية إبليس وراء سقوطه
وتبدأ الآيات من جديد ،لتضع الإنسان أمام بداية الخلق ،ليعيش التصوّر الإسلامي عن تكريم الله له ،وعن شخصية إبليس في خصائصه الذاتية ،وفي طريقته في التفكير ،وفي مخطّطاته من أجل إغواء الإنسان وإضلاله من خلال عقدة الكبرياء المتأصلة فيه ،ثم في محاولاته الناجحة في البداية ،في ما قام به من إثارة نقاط الضّعف في شخصية آدمحتى أخرجه وزوجه من الجنة ،ثم في عودة آدم إلى الله في عملية إنابة وتوبةٍ وانطلاقة تصحيحٍ ،وموقف قوّة في حركة الصراع مع إبليس ،وذلك من أجل أن يعيش الإنسان الوعي لدوره المتحرك في آفاق الصراع مع الشيطان في كل مجالات حياته ...فكيف عالجت هذه الآيات القصة ؟
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} بدأ الله خلق الإنسان من طين ،ثم صوّره حتى تكامل خلقه إنساناً سوياً يملك الصورة الجميلة والجسم المعتدل ،والأجهزة الدقيقة التي تتحرك في نظامٍ محكمٍ متوازن ،فتُحَرِّك فيه العقل والإرادة ،اللّذين يستطيع من خلالهما أن يحمل مسؤولية نفسه ،ومسؤولية الكون من حوله .ولما كان خلقه بهذه الصورة الفريدة ،كان ذلك مظهراً لقدرة الله وعظمته ،فأراد الله أن يمنحه الكرامة ،ويحمّله المسؤولية ،ويظهر لملائكته ما في هذا المخلوق من عناصر الإبداع ومظاهر القدرة ؛{ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ} تحية له ،وتعظيماً لله الذي خلقه .ولم يكن ذلك سجود عبادةٍ له ،لأن الله لا يرضى لخلقه أن يعبدوا غيره ،فكيف يتعبّدهم بذلك ؟!بل كان سجود عبادةٍ لله وتحيةٍ لآدم{فَسَجَدُواْ} .واستجاب الملائكة للأمر الإلهي ،لأنهم عاشوا العبودية له كأفضل ما تكون ،فليس بينهم وبين الانقياد إلا أن يصدر إليهم الأمر أو النهي ،لأن ذلك هو شأن العبد مع مولاه ،فلا تساؤل ولا اعتراض .
{إِلاَ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} وكان إبليس يعيش مع الملائكة ،ولكنه لم يكن منهم ،بل كان من الجن ؛{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [ الكهف:50] ورفض السجود ،وتمرّد على الله ..