{قَالَ يَا مُوسَى إِنْي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكلامِي} ،واخترتك من بين الناس لما تملكه من صفاء الإيمان ووضوحه وعمقه ،ومن قوّةٍ العزيمة ،وصلابة الإرادة ،وصدق الموقف ،وصبر المعاناة ،وهذا ما يجعل للأنبياء صفةً مميّزةً يستحقّون بها اختصاص الله لهم برسالاته ،لأنّ الذي يحمل الرسالة لا بد أن يعيش روحيّتها وأخلاقيتها وأفقها الواسع ،ويمتلك الخصائص الفكرية والعمليّة التي تجعل من تجربته ،في خط الرسالة وحركتها ،تجربةً ناجحةً على مستوى القدوة العظيمة في حساب النتائج الرسالية للحياة .
وقد نلاحظ في هذا التعبير القرآني الجوّ الحميم الذي أراد الله لموسى أن يعيشه في الإحساس بمحبة الله ورعايته له ،بعد الصدمة الشديدة التي واجهها في تجربة طلب الرؤية ،ليزول كل شيء سلبيٍّ من نفسه ،وليعرف بأن الله لم يغضب عليه في ذلك ،فقد أعلن له استمرار هذا الاصطفاء المميَّز عن الناس ،بما حمّله من مسؤولية حمل رسالاته وكلامه .{فَخُذْ مَآ ءاتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ الشَّكِرِينَ} لله بالإخلاص له في أداء رسالته ،وتحويلها إلى خطٍّ للفكر وللحياة ،فذلك هو الشكر العملي الإيجابي في موضوع الرسالة ،بالإضافة إلى الشكر الشعوري الذي يتمثل بحالة الامتنان الروحي في الداخل .