/م142
{ قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي} الاصطفاء اختيار صفوة الشيء وصفوه أي خالصه الذي لا شائبة فيه ، ومنه الصفّي من الغنيمة وهو ما يصطفيه الإمام أو القائد الأكبر منها ويختاره لنفسه كاختيار النبي صلى الله عليه وسلم السيف المعروف بذي الفقار من غنائم غزوة بدر .وتعدية الاصطفاء هنا بعلى لتضمنه معنى التفضيل ، فالمعنى إني اصطفيتك مفضلاً إياك على الناس من أهل زمانك بالرسالة ، قرأ ابن بشير ونافع"برسالتي "والباقون برسالاتي ، فإفرادها بمعنى الاسم من الإرسال وجمعها باعتبار تعدد ما أرسل به من العقائد والعبادات والأحكام السياسية والحربية والمدنية والشخصية ، وقيل بتعدد أسفار التوراة وهو ضعيف لأن التوراة ما أوحاه من الشريعة إلى موسى وهو موضوع رسالته وتسمية الأسفار الخمسة بالتوراة اصطلاحية وقد يطلقونها على جميع كتب أنبياء بني إسرائيل قبل عيسى عليهم السلام –واصطفيتك بكلامي أي بتكليمي لك بعد وحي الإلهام من غير توسط ملك وإن كان من وراء حجاب ، وهو ما طلب رفعه لتحصيل الرؤية مع الكلام ، ووحي الله تعالى ثلاثة أنواع بينها قوله:{ وما كان لبشر أن يكلّمه اللّه إلّا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنّه عليّ حكيم} [ الشورى:51] فهذا النوع الأوسط هو الأعلى وقد أعطي لموسى عليه السلام بعد النوع الأول وقيل بالعكس ، وقد بينا ما فيه من وجه الخصوصية في تفسير قوله تعالى{ وكلم الله موسى تكليما} [ النساء:164] من سورة البقرة .
{ فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين} أي فخذ ما أعطيتك من الشريعة"التوراة "وكن من الراسخين في الشكر لنعمتي بها عليك وعلى قومك ، وذلك بإقامتها بقوة وعزيمة والعمل بها ، وكذا لسائر نعمي ، فإن حذف متعلق الشكر يدل على عمومه ، كما أن صيغة الصفة منه تدل على التمكن منه والرسوخ فيه .
/خ144