{وَبَوَّأَكُمْ}: أنزلكم ومكّنكم من المنازل .
{تَعْثَوْاْ}: تفسدوا وتتجاوزوا الحدّ .
ثم بدأ يحدثهم عن نعم الله التي أفاضها عليهم ،وكيف سهل لهم الأمور ومهّد لهم الأسباب:{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} وأسكنكم فيها ،ومهّد لكم كل الوسائل التي تجعل من إقامتكم فيها فرصةً طيّبةً مريحةً في ما منحكم من القوة والغنى ،{تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلآءَ اللَّهِ} ،لتكون الذكرى أساساً للتفكير العملي الواعي الذي يدفعكم للسير في نهجه القويم وخطّه المستقيم ،كتعبير عن شكره .{وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرضِ مُفْسِدِينَ} ولا تتحركوا في الأرض بخطط الفساد والإفساد التي تسيء إلى حياة الناس وأمورهم العامة والخاصة ،لأن الله يريد للإنسان أن يستعمل الطاقات التي أودعها فيه ،أو سخرها له ،وأن يحركها في إصلاح الحياة على الأسس التي أراد أن ترتكز عليها .فمن ينحرف عن هذا الخط ،يعرّض نفسه لعذاب الله .وربما كان من الطبيعي أن يستوحوا تخطيطهم لحركة الإصلاح من تعاليم الله وما أوحى به لرسله ،لأنها تمثل المنهج الأقوم في هذا الاتجاه .
وكان في قومه مستضعفون ومستكبرون ،فاستجاب له المستضعفون ،لأنهم رأوا في دعوته الحقيقة الصافية التي كانوا يبحثون عنها ،والروح الحرّة التي تنقذهم من عبوديتهم لضغوط المستكبرين ،والإرادة القوية التي تمنحهم قوة الرفض لحالة الاستضعاف التي يفرضها عليهم الأقوياء ...وهكذا آمنوا به وساروا معه .أما المستكبرون ،فقد واجهوه بالتكذيب والكفر والتمرُّد من موقع الاستعلاء ،لأنهم رأوا في هذه الدعوة نسفاً لامتيازاتهم الاستكبارية ،لأنها تدعو للمساواة بين الناس ،باعتبارهم متساوين في عبوديتهم لله ،وفي إنسانيتهم وفي خصائصها البشرية ،بعيداً عن امتيازات الغنى والقوة والنسب والجاه ،فتلك أمورٌ لا تعتبر قيمةً كبيرةً في حساب الإيمان ،بل القيمة الكبيرة هي للتقوى وللعمل الصالح المنتج ،على مستوى قضايا الحياة .
وهكذا وقفوا في وجه هذه الدعوة ،ولكنهم كانوا يشعرون بالرعب والذعر من خلال تنامي قوة صالح( ع ) في أوساط الفئات المحرومة الفقيرة من المستضعفين ،مما قد يترك أثراً سلبياً على مستوى امتيازاتهم وسلطاتهم المستقبلية ،باعتبار أن المستضعفين يمثّلون القوّة الحقيقية التي تدعم كل أوضاعهم السياسية والاقتصادية والعسكرية ،فإذا انفصلوا عنهم واتّبعوا النبي الجديد ،فمعنى ذلك أن القوّة ستنتقل إلى موقعٍ آخر ،مما يجعلهم في موقف الضعف والنبي في موقف القوّة ،ولذلك فقد حاولوا إثارة حالة من التشكيك عند المستضعفين المؤمنين ليقودوهمبعد ذلكإلى التمرد والكفر ..