{ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} أي وتذكروا إذ جعلكم الله تعالى خلفاء لعاد في الحضارة والعمران والقوة والبأس وبوأكم في الأرض أي أنزلكم فيها وجعلها مباءة ومنازل لكم:تتخذون من سهولها قصورا زاهية ، ودورا عالية ، بما حذقتم بإلهامه تعالى من فنون الصناعة كضرب الآجر واللبن والجص وهندسة البناء ودقة النجارة ، وتنحتون الجبال أي بعضها كما قال في آية أخرى{ من الجبال} ( بيوتا بما علمكم من فن النحت ، وآتاكم من القوة والصبر ، قيل إنهم كانوا يسكنون الجبال في الشتاء لما في البيوت المنحوتة فيها من القوة التي تؤثر فيها الأمطار والعواصف ، ويسكنون السهول في سائر الفصول لأجل الزراعة والعمل ، ولم تكن القصور فيها متينة ولا الطرق مرصوفة بحيث يرتاح ساكنها في أيام الأمطار الشديدة .
{ فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي فتذكروا نعم الله تعالى عليكم في ذلك كله واشكروها له بتوحيده وإفراده بالعبادة واستعمالها فيما فيه صلاحكم ولا تستبدلوا الكفر بالشكر فتعثوا في الأرض مفسدين يقال عثى وعثي يعثى"من بابي ضرب وعلم "عثيا وعثيانا وعثا يعثو عثوا بمعنى أفسد وكفر وتكبر ومثله مقلوبة:عاث يعيث عيثا وعيثانا .وفيه معنى الإسراف والتبذير مع الإفساد وقال الراغب:العيث والعثي يتقاربان نحو جذب وجبذ إلا أن العيث أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسا والعثي فيما يدرك حكما اه والمعنى ولا تتصرفوا في هذه النعم تصرف عثيان وكفر بمخالفة ما يرضي الله فيها حال كونهم متصفين بالإفساد ثابتين عليه .وقال المفسرون إن مفسدين حال مؤكدة ، والصواب أنها تفيد معنى زائد على التأكيد كما علمت .