قصة صالح عليه السلام
{ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُه} أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم في النسب والوطن صالحا .سئل الإمام عبد الله بن أبي ليلى عن اليهودي والنصراني يقال له أخ ؟ قال:الأخ في الدار .واستدل بالآية .رواه أبو الشيخ .و( صالحا ) بدل أو عطف بيان ل( أخاهم ) .وتقدم مثل هذا التركيب آنفا في قصة هود عليه السلام .وثمود قبيلة من العرب قيل سميت باسم جدهم ثمود بن عامر بن إرم ابن سام بن نوح .وقيل ابن عاد بن عوص ابن إرم ...وعن عمرو بن العلاء أنهم سموا بذلك لقلة مائهم فالثمد الماء القليل .وثمود يمنع من الصرف بإرادة القبيلة إذ يجتمع فيه العملية والتأنيث:ويصرف بتأويل الحي أو باعتبار الأصل ، فإنه علم لمذكر وكانت مساكنهم الحجر ( بكسر المهملة ) بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وهي معروفة إلى الآن .وعن الحافظ البغوي في نسبه عليه السلام أنه صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشخ بن عبيد بن حاذر بن ثمود .ومثله في فتح الباري إلا أنه ضبط حاذر بالجيم حاجر ، وزاد بعد ثمود بن عامر بن آدم بن سام بن نوح .
{ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُم} قد علمنا من سنة القرآن وأساليبه في قصص الأنبياء مع أقوامهم أن المراد بها العبرة والموعظة ببيان سنن الله تعالى في البشر وهداية الرسل عليهم الصلاة والسلام لأن حوادث الأمم وضوابط التاريخ مرتبة بحسب الزمان أو أنواع الأعمال .وقد حكي هنا عن صالح عليه السلام أنه ذكر الآية التي أيده الله تعالى بها عقب ذكر تبليغ الدعوة ، وفي قصته من سورة هود أنه ذكر لهم الآية بعد ردهم لدعوته ، وتصريحهم بالشك في صدقه ، وزاد في سورة الشعراء طلبهم الآية منه ، وكل ذلك صحيح ومراد وهو المسنون المعتاد ، ولا منافاة بين ذلك التفصيل وهذا الإجمال ، والمروي أن هذه السورة ( الأعراف ) نزلت بعد تينك السورتين فتفصيلهما لإجمالها جاء على الأصل المألوف في كلام الناس وإن كان غير ملتزم في القرآن ، على أن ترتيب السورة لم يراع فيه ترتيب نزولها ، والمعنى قد جاءتكم آية عظيمة القدر ، ظاهرة الدلالة على ما جئتكم به من الحق فتنكير الآية للتعظيم والتفخيم .
وقوله: "من ربكم "للإعلام بأنها ليست من فعله ولا مما ينالها كسبه عليه السلام ، وكذلك سائر ما يؤيد الله تعالى به الرسل من خوارق العادات ، فليعتبر بذلك الجاهلون الذين يظنون أن الخوارق مما يدخل في كسب الصالحين الذين هم دون الأنبياء ولاسيما الذين يسمونهم الأقطاب المتصرفين في الكون ، ولو كانت كذلك لم تكن خوارق ، ولا آيات من الله تعالى دالة على تصديق الرسل في دعوى النبوة ، وعلى كمال اتباع من دونهم لهم فيما جاءوا به من الهداية ، إذ كسب العباد ما زال يتفاوت تفاوتا عظيما بتفاوت قوى عضلهم وجوارحهم ، وقوى عقولهم وأرواحهم وعزائمهم ، وتفاوت علومهم ومعارفهم ، ولذلك اشتبهت الآيات على كثير من الناس بالسحر والشعوذة ، وما يكون في بعض الناس من التأثر لعلو الهمة وقوة الإرادة .
{ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَة} هذا بيان مستأنف للبينة أي هذه ناقة الله تعالى أضافها إلى اسمه الكريم تعظيما لشأنها ، وقيل لأنه خلقها على خلاف سنته في خلق الإبل وصفاتها ، وقيل لأنه لم يكن لها مالك .والمعنى أشير إليها حالة كونها آية لكم خاصة لكم .وبين معنى كونها آية بقوله:
{ فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيم} ومثله في سورة الشعراء إلا أنه وصف العذاب بالعظيم فهو أليم وعظيم وفي ( هود ) إلا أنه وصف العذاب بالقريب وهو أنه يقع بعد ثلاثة أيام من مسهم إياها بسوء وكذلك كان .وفي سورة القمر{ ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر} ( القمر 28 ) وفسره قوله تعالى في سورة الشعراء:{ هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} ( الشعراء 155 ) وهو قبل الوعيد على مسها بسوء ، والشرب بكسر المعجمة ما يشرب .وفي سورة الشمس{ كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها} ( الشمس 11- 14 ) إلخ فدل مجموع الآيات على أن آية الله تعالى في الناقة أن لا يتعرض لها أحد من القوم بسوء في نفسها ، ولا في أكلها ولا في شربها ، وأن ماء ثمود قسمة بينهم وبين الناقة إذ كان ماء قليلا ، فكانوا يشربونه يوما وتشربه هي يوما ، وورد أنهم كانوا يستعيضون عنه في يومها بلبنها وروي هذا عن ابن عباس وقتادة .فأما الرواية عن الأول فهي تصدق بماء معين معروف كان لشربهم خاصة إذ ذكر في سورة القمر معرفا وثبت في الحديث الآتي مرفوعا .
وأما الرواية عن الثاني ففيها أن الماء كان لهم ولماشيتهم وأرضهم وهو بعيد بل منقوض بما في سورة الشعراء من تعدد عيون الماء عندهم وهو قول صالح لهم{ أتتركون فيما ههنا آمنين ؟ في جنات وعيون ونخل طلعها هضيم ؟} ( الشعراء 146 ) وقد روى أحمد عن عبد الله بن عمر مرفوعا أنه كان لهم آبار وأن النبي صلى الله عليه وسلم دل المسلمين على البئر التي كانت تشرب منها الناقة حين مروا بديار قوم صالح في غزوة تبوك .وفي البخاري عنه أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يستقوا منها ويهريقوا ما استقوا من غيرها من تلك الآبار .قال العلماء وقد علمها بالوحي .ولا يصح شيء يحتج به في خلق الناقة من الصخرة أو من هضبة من الأرض كما روي عن أبي الطفيل .
والمتبادر إلى الذهن من إضافة الأرض إلى الله تعالى أن المراد بها المباحة للأنعام أن ترعى ما ينبت فيها من الكلأ وغيره دون ما يزرعه الناس ويحمونه لأنفسهم ، وفيه مراعاة النظير بين ناقة الله وأرض الله ، أي فذروا واتركوا ناقته تأكل من أرضه التي خلقها وأباحها لخلقه .والمتبادر من تنكير السوء في سياق النهي أن الوعيد مرتب على أي نوع من أنواع الإيذاء لها في نفسها أو أكلها أو شربها كما تقدم فكيف وقد عقروها .