{بَيِّنَةٌ}: علامة فاصلة بين الحق والباطل من جهة شهادتها به .
حديث عن قصة صالح مع قومه ثمود
في هذه الآيات حديث عن قصة صالح التي كرّرها القرآن في أكثر من سورة ،تبعاً للدور الذي يمكن أن تقدّمه للقضايا الرسالية العملية التي يطرحها للناس في آياته .وهو نبيٌّ أرسله الله إلى قومه الذين جاءوا من بعد عاد ،ليعالج مشاكلهم الإيمانية والحياتية ،فيدعوهم إلى السير في خط الإيمان بالله ،والالتزام بأوامره ونواهيه ...وإذا كان لا بد لكل نبيٍّ من معجزةٍ للتحدي أو للضغط على القوة المعادية الضاغطة ،فقد كانت معجزته أنه أخرج لهم ناقة عجائبية ،تسقي القوم عن آخرهم ،ولكنها كانت تشرب الماء كله ،ولذلك فقد جعل لهم يوماً يشربون فيه ،لا تشاركهم فيه الناقة ،ويوماً تشرب فيه الناقة ولا يشاركونها فيه ،لأن هذا الماء يتحوّل إلى حليبٍ بقدرة الله .فضاقوا ذرعاً بذلك ،بعد أن تدخّل المستكبرون بإثارة السلبية ضد هذا التوزيع الإلهي ،فتآمروا على قتل الناقة ،وأوعزوا إلى شخصٍ منهم فعقرها وقتلها ؛فحمّلهم الله مسؤولية ذلك فعاقبهم جميعاً ،لأن ما يجمع الناس الرضا والسخط ،كما قال الإمام علي( ع ) في بعض كلماته: «وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد ،فعمّهم الله بالعذاب لما عمَّوه بالرضا فقال سبحانه:{فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ} » [ الشعراء:157] .هذه هي خلاصة القصّة ،فكيف نتابع خطواتها في هذه الآيات ؟
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .وذلك هو الخط الواحد لرسالة الأنبياء في دعوتهم الناس إلى عبادة الله الواحد ،كمنهج للفكر وللعمل وللحياة كلها…{قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} توضح لكم قدرة الله في خلقه ،وتؤكّد لكم صدق الرسول في رسالته ،{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} ومعجزةً خارجةً عن مألوف ما اعتدتموه من النوق التي تعرفونها ،{فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} ،فهي لا تكلّفكم أيّة مؤونةٍ ٍمن غذاءٍ وغيره ،فامنحوها الحرية في التجوّل في أرض الله لتأكل منها ما تشاء ،{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} ،ولا تعتدوا عليها بضرب أو جراحة أو قتل ..{فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ،لأن الاعتداء عليها يعني التمرد على الله والتحدي لنواهيه .