{بَرَكَاتٍ}: خيرات كثيرة ونامية .
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ} فانفتحوا على الله في مشاعرهم وأفكارهم ،وانفتحوا على الحياة بتطلّعاتهم وغاياتهم ،وانطلقوا مع الناس الآخرين في علاقاتهم ومعاملاتهم ،وعرفوا الإيمان كمنهجٍ للفكر والعمل ،والتزموا بالخطّ المستقيم الذي يريده الله ويرضاه ويرضى عمّن سار عليه في ما تعطيه التقوى من معنى الانضباط والالتزام .{لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأرضِ} في ما يثيره الإيمان ،وتتحرك به التقوى من البركات في انطلاقة الخير من فكر الإنسان وروحه وعمله ،فتنمو الطاقات ،وتتحرّك بالعطاء ،وتنطلق بالخير ،وتتحول الحياةمن خلال ذلكإلى حركةٍ مسؤولةٍ في اتجاه الصلاح والإصلاح ،وبذلك تتحرك بركات الأرض والسماء إلى نهر يتدفّق بكل ما يصلح الحياة والإنسان ؛لأن الإيمان والتقوى يعمّقان في الذات معنى المسؤولية التي تبتعد عن العبث والفساد والأنانية ،فلا يبقى هناك إلا ما ينفع الناس ،وبذلك تكون علاقة الإيمان والتقوى بالبركات علاقةً ترتبط بينابيع الخير التي يفجّرها عقل الإنسان وروحه وإرادته ،في حركة المواقف والعلاقات والأعمال في الحياة .ويبقى للغيب دوره في هذا كله ؛فلله ألطافٌ خفيّةٌ من حيث لا نعرف ،وله أرزاقٌ ونعم كثيرة يغدقها علينا من حيث لا نشعر .وهي أمورٌ لا تخضع لما نعرفه من قوانين الحياة العادية ،بل هي غيبٌ ننتظره كلما أحسسنا بالرضى من الله ينساب في أعماقنا لطفاً وبركةً وإيماناً .
{وَلَكِن كَذَّبُواْ} وابتعدوا عن خطِّ الخير والصلاح ،وارتبطوا بالخطّ الشيطانيّ الذي يوحي بالشرّ والفساد ،وتحوّلت الحياة عندهم إلى فرصة للّهو والعبث والاسترخاء في أجواء الكسل والراحة ،فانفصلوابذلكعن أجواء المسؤولية المنفتحة على رضى الله ،فكان من نتائج ذلك أن ابتعد الناس عن الآفاق التي توحي لهم بروح الحق والعدل والسلام ،فحقّ عليهم غضب الله وعذابه ،{فَأَخَذْنَهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} في ما يستحقونه من عقاب الله ،بسبب عصيانهم أوامره ونواهيه ،وفي ما تنتجه أعمالهم ومواقفهم من نتائج سلبيّةٍ على الأوضاع العامّة في حياتهم ،على أساس ارتباط النتائج بمقدّماتها الطبيعيّة .وبهذا نفهم ارتباط الأخذ الإلهي بالكسب السلبي للإنسانفي مواقف المعصيةبجانب الاستحقاق من جهة ،وبطبيعة الأشياء من جهةٍ أخرى فيلتقي فيه الجانب الغيبي بالجانب المادّي من الحياة .