{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( 96 )} .
إن الكون يسير على سنة الله وعلى نواميس محكمة يدبرها منشئ الكون وخالقه ، والقيوم عليه بحكمته وإرادته المختارة ، فهو الفعال لما يريد .
وإن من سنته – سبحانه وتعالى – أن يوزع الأرزاق على من يستحقها في علمه المكنون ، وهو العزيز العليم ، وفي هذا النص الكريم يتبين أنه – سبحانه وتعالى – يعطي القرى حسب إيمانها وتقواها ، ويشير إلى أنه أمهل الظالمين قاطع عليهم خيرهم جزاء بما اكتسبوا .
يقول سبحانه:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا} .
{ ولو} يسمونها امتناع لامتناع ، وهي داخلة على فعل مقدر تقديره:لو ثبت أن أهل القرى – أي المجتمعات الكبيرة – التي يقرى إليها الناس آمنوا بالله حق إيمانه ، واتقوه حق تقاته لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ، وقوله تعالى:{ لفتحنا} جواب ، و ( اللام ) دالة على الجواب ، والمراد – والله أعلم – أنزلنا عليهم من السماء ، وأنبتنا لهم النبات في الأرض ، على أن يكون ذلك بركة ، أي خيرا كثيرا ناميا ، فالظاهر إنزال المطر ، وإنبات ثمرات كل شيء من عند الله تعالى .
والتعبير ب ( فتحنا ) ، تعبير مجازي ، شبه فيه نزول المطر وانهماره بفتح السماء والأرض فشبه نزول المطر مدرارا من السماء عليهم بفتح باب يدخل فيه الناس أفواجا أفواجا ، وذكر قوله تعالى:{ عليهم} قرينة على أنه المطر ، وإن ارتباط الأرزاق بالتقوى والإيمان ذكره الرسل في دعواتهم إلى أقوامهم ، فقد قال نوح لقومه:{ ……… . استغفروا ربكم إنه كان غفارا ( 10 ) يرسل السماء عليكم مدرارا ( 11 )} ( نوح ) وقال هود لقومه:{ …… ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ……… ( 52 )} ( هود ) ورسل الله تعالى لا يخدعون أقوامهم ، بل إنهم الصادقون المبعوثون رحمة للعالمين . ولقد قال في يونس وقومه:{ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ( 147 ) فآمنوا فمتعناهم إلى حين ( 148 )} ( الصافات ) ، وقال تعالى:{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ( 98 )} ( يونس ) .
وهكذا نجد النصوص الكريمة تفيد أن مقت الله تعالى من الضراء ، والشدائد تنزل بالعاصين كما قال سبحانه ، وكما جرى على ألسنة أنبيائه عليهم الصلاة والسلام .
ولقد رأينا ذلك رأى العين ، فقد وجدنا رجالا كفروا بأنعم الله وساقوا أممهم إلى الفجور ، والعصيان ، فنزل عليهم غضب الله تعالى في خذلان مستمر ، ونكسة وراء نكسة .
وإنا لا نقول مقالة بعض الفلاسفة الذين يربطون الأخلاق الإنسانية بنظام الكون ، فيقولون:إذا فسدت الأخلاق ، اضطرب الكون ، وانعكس الفساد في سير الأفلاك ، وفي السماء وفي الأرض ، وهي الفلسفة الكونفوشيوسية .
لا نقول ذلك ، ولكنا نرى أن الله تعالى ربط الكفر والعصيان بهلاك الأمم ، وربط فتح الأرزاق بالتقوى والإيمان ، لنؤمن به ، ولكن لا نغالي مغالاة الفلاسفة .
ويجب أن ننبه إلى أن المؤمنين قد يختبرون بالشدائد والمكاره ، ليتبين صبرهم ، ويحق جزاؤهم ، ولذا قال تعالى:{ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 )} ( البقرة ) .
فإن ذلك الاختبار للقوى المؤمنة في تقواها ، لا يمنع أن الله تعالى ينزل عليهم خيرهم ، والعاقبة للمتقين .
بين الله تعالى أن أهل القرى لو آمنوا لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض ، ولكنهم لم يفعلوا ؛ ولذا قال:{ ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} الاستدراك هنا من الوعد بفتح السماء والأرض بالبركات ، فهم كذبوا ولم يؤمنوا ، ولم يتقوا ، فحق عليهم العذاب الشديد في الدنيا والاخرة ؛ ولذا قال تعالت كلماته:{ فأخذناهم بما كانوا يكسبون} ( الفاء ) هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي بسبب هذا التكذيب أخذناهم بالرجفة أحيانا ، وبإمطار الحجارة أحيانا ، وبعذاب من رجز أليمك .
ومذلك بسبب ما كانوا يكسبون من كفر وجرائم إنسانية ، واغترار بالحياة الدنيا .