{وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرْضِ} من خلال هذه المتغيرات الجديدة ،{أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} لأنّا لا نملك معرفة أسرار ذلك ،ويمكن أن يكون المراد نفيهم لعلم الغيب ،بعيداً عن مسألة منعهم من استراق السمع ،فهم لا يملكون أيّة معرفةٍ غيبيةٍ في ما قدره الله للناس في أمور حياتهم مما قد يكون خيراً أو شرّاً .
مناقشة لبعض المناهج التفسيرية في مسألة الجن
وقد يحاول البعض من الناس تأويل هذه الظواهر الغيبية على أساس بعض الموازين التجريبية التي استحدثها الناس ،أو على أساس اعتبارها حالةً تمثيليةً أو تصويريةً في أسلوب الأدب الرمزي ،لأنهم لا ينطلقون من موقع الإيمان بالغيب في ما ينزله الله على رسله من الحديث عما لا يملك الناس علمه ،لأنهم لا يملكون وسائل الوصول إليه ،وذلك من خلال الأفكار السابقة التي يحملونها في تربيتهم الثقافية .
إنَّ الإسلام يريد أن يربط الإنسان في تفكيره بالعقل تارة في ما يمكن أن يدركه العقل ،وبالتجربة أخرى في ما يمكن أن تبلغه التجربة ،ولا يريد أن يربطه بالمألوف والمحسوس ،لأن عدم الألفة في ما هي الظاهرة ،أو عدم الحس في ما يتحرك فيه الواقع ،لا يعني عدم الوجود ،لأن الوجود أوسع من ذلك في ظواهره وفي خفاياه .فإذا أدرك العقل إمكان شيءٍ وجاء الوحي الصادق بوقوعه ،فلا بد من الإيمان به ،لأن الحقيقة قد استكملت وسائل الوصول إليها ،فلا قيمة لما يرفضه الناس منها على أساس المعرفة السطحية التي لا تنفذ إلى العمق في وسائل المعرفة .وهذا هو أساس الإيمان بالغيب في مصادره العقلية ،وفي مصادر الوحي الذي أكد العقل وجوده ،في تأملاته للحالة التي يعيشها الرسول في ما يثبت رسالته .