ثم يتابع هؤلاء النفر من الجن الحديث عن طبيعة مجتمعهم من حيث الانتماء ،فهناك الذين يندفعون إلى الإيمان من موقع القناعة المطمئنة المنفتحة على الحقيقة المتصلة بالله ،وهناك الذين يبتعدون عن الحقيقة ،ويتّبعون الهوى ،ويستغرقون في ملذاتهم وشهواتهم ،فينحرفون عن خط الإيمان ،ويسيرون مع الكفر والشرك في حياتهم ،كأيّ مجتمع آخر .
{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ} الذين عاشوا الصلاح فكراً وسلوكاً من خلال القاعدة الإيمانية التي أدركوا ثباتها على صعيد الحقيقة ،فتحركوا من خلالها ،ليكون كل قول أو فعل أو علاقة مرتبطاً بها ومشدوداً إليها ،ومتفرعاً عنها .
{وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} ممن لم يلتزموا الصلاح كقاعدة للحياة ،بل انطلقوا في خط الانحراف تماماً كما هم الإنس الذين يختلفون في الخطوط العقيدية والعملية .
{كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} أي طرقاً مختلفة مقطّعة ،أي مذاهب مختلفة .وقد لا يكون من الضروري أن يكون هؤلاء الصالحون من الذين آمنوا بالرسول ،فكان صلاحهم من خلال ذلك ،فربما كانوا منفتحين على الصلاح قبل ذلك ،لأن هؤلاء النفر الذين استمعوا إلى القرآن كانوا يتحدثون عن واقع المجتمع في دائرة الجن ،ليؤكدوا أن الجن لا يمثلون مجتمع الشر ،بل يمثلون المجتمع المختلط الذي يشتمل على الخيّرين ،كما يشتمل على الشريرين ،على خلاف الفكرة الشائعة عنهم في ذلك ،ولو كان الأمر كما يظن الناس في أجواء الشائعات ،لما كانوا موضعاً للتكليف من قِبَل الله .