{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} مما يوجهونه إليك من كلمات السباب والإِيذاء والسخرية ،وما يثيرونه حولك من اتهامات بالجنون والسحر والشعر والكهانة ونحو ذلك مما قد يثقل صدرك ،ويزيد في أذاك ،لأن الرسالة الثقيلة في التزاماتها ومسؤولياتها ونتائجها التغييرية في مستوى حياة الناس تستثير ذلك كله ،{وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} والهجر الجميل: إظهار الموجدة عليهم من غير ترك الدعوة إلى الحق على وجه المناصحة ،وهو يمثّل الأسلوب القرآني الحكيم في الإعراض عن الكافرين في لحظات التمرد على الرسالة والرسول ،إذ لا يضعف أمامهم في أسلوب الردّ العملي السلبي ،لأن الهجر ينطلق من موقع قوّة دون أن يقطع العلاقة معهم بحيث لا يترك لنفسه مجالاً للدعوة ،ولا لهم مجالاً للرجوع إلى الحق ...وهذا ما ينبغي للداعية أن يعيشه في نفسه من أخلاقٍ واسعةٍ كريمةٍ في أسلوب الدعوة ،وفي صفات الشخصية الرسالية التي لا تملك مزاجها الذاتي في حرية الحركة من جهة الفعل وردّ الفعل ،بل تخضع في مشاعرها وأحاسيسها وحركتها المزاجية لمصلحة الرسالة وروحية الانفتاح على الناس من خلالها ،بالعقل المفتوح ،والصدر الواسع ،والقلب الكبير ...