وبالتالي يقول في الأمر الرّابع والخامس: ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً ) .
ويأتي هنا مقام الصبر والهجران ،لكثرة اتهامات الأعداء وإيذاءهم له في طريق الدعوة إلى اللّه ،فالفلاح إذا أراد قطف الورود ،عليه أن يصبر ويتحمل أذى الأشواك ،مضافاً إلى ذلك يلزم الإبتعاد عنهم وهجرانهم أحياناً ،وليبقى في مأمن من شرّهم ،ويعطيهم بذلك درساً بالغاً ،ولا يعني ذلك قطع سبل التربية والتبليغ والدعوة إلى اللّه .
وعلى هذا فإنّ الآيات المذكورة آنفاً تعتبر وثيقة من الأوامر تعطي للنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم )ولمن يحذو حذوه هذا المفهوم ،وهو أن يستمد العون من عبادة الليل والدعاء والتضرع إلى اللّه تعالى ويسقي هذه الشجرة بماء ذكر اللّه تعالى ،والإخلاص والتوكل والصبر والهجران الجميل ،يا لها من صحيفة جامعة وجميلة !
التعبير ب «ربّ المشرق والمغرب » إشارة إلى الحاكمية والرّبوبية على العالم المشهور كلّه .
«الهجر الجميل »: كما أشرنا من قبل ،يعني الهجران الملازم للشفقة والاستمرار بالدعوة إلى اللّه الذي يعتبر أحد طرق التربية في مراحل خاصّة ،ولا يتنافى ذلك مع الجهاد في المراحل الأخرى ،فلكل أمر مقام .
وبعبارة أخرى أنّ ذلك لا يعتبر من الابتعاد عنهم وعدم الاكتراث بهم ،بل هو اكتراث بحدّ ذاته ،وما قيل من أنّ الجهاد نسخ هذه الآيات فليس صحيحاً .
يقول المرحوم الطّبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية: وفي هذا دلالة على وجوب الصبر على الأذى لمن يدعو إلى الدين والمعاشرة بأحسن الأخلاق ،واستعمال الرفق ليكونوا أقرب إلى الإجابة{[5528]} .