{إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} أي أخلاط ،بمعنى أنها مختلطةٌ ممتزجةٌ باعتبار امتزاج ماء الرجل ببويضة المرأة في عملية التلقيح ،{نَّبْتَلِيهِ} أي ننقله من حال إلى حالٍ ومن طورٍ إلى طورٍ ،حيث يجري التحوّل من النطفة إلى العلقة إلى المضغة التي تتحول إلى إنسان سويٍّ بعد ذلك ،كما ذكره بعض المفسرين[ 3] .
وقد فُسِّر الابتلاء ،بالاختبار أو بالتكليف ،بما يعنيه الإنسان في دخول التجربة الحيّة المتحركة التي قد يفشل في إيصالها إلى النتائج الإِيجابية ،وقد ينجح في ذلك تبعاً لما يتحرك فيه من طاعةٍ ومعصيةٍ ...وردّه صاحب الميزان بأنه «يدفعه تفريع قوله:{فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} على الابتلاء ،ولو كان المراد به التكليف ، كان من الواجب تفريعه على جعله سميعاً بصيراً لا بالعكس »[ 4] .
ونلاحظ على كلام صاحب الميزان أن كلمة «نبتليه » صفةٌ للإنسان ،باعتبار أن ذلك هو العنوان لوجوده للغاية من خلقه ،وإذا كان المعنى اللغوي لكلمة الابتلاء هو الانتقال من حالٍ إلى حالٍ ،فإن المعنى العرفي المتبادر إلى الذهن هو الامتحان والاختبار ،أمَّا التفريع فقد كان على أصل خلق الإنسان الموصوف بهذه الصفة ،في ما يريده الله منه في طبيعة وجوده ،وعلى هذا الأساس ،فإن المعنى الثاني أنسب بالآية ،والله العالم .
{فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} باعتبار أن السمع والبصر هما الوسيلتان الحيويتان اللتان يمكن أن يحصل الإنسان من خلالهما على أكثر مصادر المعرفة ،أو من جهة ما يسمعه من كلمات الحق في وحي الله وفي الأحاديث العامة للناس ،أو من ناحية ما يبصره من آيات الله في الكون ،ومن حركة المخلوقات الحيّة من حوله ،ليستعمل المسموعات والمبصرات كموادّ خامٍّ للفكر الذي يمكن أن ينتجه بعقله ليكون ذلك حجّة له ،في ما يلتزمه من فكر يتصل بالله أو حجّةً عليه في ما يلتزمه من فكرٍ يرتبط بالشيطان .