{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} وهذا هو الطرح الثاني بعد الأوّل ،فإذا كانت الدعوة إلى الزكاة الروحية هي القضية التي تثير فيه الرغبة في التطهر ،بالمعنى التغييري الذي يتحول فيه عن واقعه المنحرف ،فإن من الضروري أن يفتح النبيّ له درب الهدى الذي يصله بالله ليتعرف عظمته في ذاته ،فتصغر نفسه عنده ،وتتعاظم خشية الله لديه ،ليتكامل له الخط المستقيم في طبيعته السلبية المتمثلة بالابتعاد عن خط الانحراف ،وفي طبيعته الإيجابية المتمثلة بالالتزام بخط الاستقامة .
تلك هي مشكلة الكثيرين من الناس ،لا سيّما الجبابرة منهم ،فهم لم يتعرفوا على الله ليهتدوا إليه ،بل استغرقوا في ذواتهم ،وفي ما يحيط بهم من أوضاع ،فغفلوا عن كل شيءٍ يتصل بالآفاق الرحبة التي تنفتح على مواقع عظمة الله في الكون ،فكانت المسألة هي أن يخرجوا من حالة الاستغراق الذاتية المختنقة ،ليتسع أفقهم ،وليتحرك فكرهم ،وليبدأوا الرحلة إلى عالمٍ جديدٍ .وهذا ما أراد الله لموسى( ع ) أن يواجه به فرعون من أجل أن يصل إلى استشعار خشية الله ،ولكنّ فرعون لم يتقبل هذه الدعوة المنفتحة على الحق ،فثارت به كبرياؤه ،فاستصغر شأن موسى( ع ) ،لا سيّما أنه كان ينتمي إلى الطبقة المنبوذة المستضعفة من قبل فرعون .ولم يستسلم موسى( ع ) إلى هذه النظرة الفوقية الفرعونية ،فأراد أن يصدم طبيعة هذا الموقف المتكبر ،فقدم إليه العصا واليد البيضاء .