{ وأهديك إلى ربك فتخشى} أي إن كان فيك إعداد نفسك للتزكية يكن إرشادي إياك فتخشى ،فكان ترتيب الجمل في الذكر مراعىً فيه ترتبها في الحصول فلذلك لم يحتج إلى عطفه بفاء التفريع ،إذ كثيراً ما يستغنى بالعطف بالواو مع إرادة الترتيب عن العطف بحرف الترتيب لأن الواو تفيد الترتيب بالقرينة ،ويستغنى بالعطف عن ذكر حرف التفسير في العطف التفسيري الذي يكون الواو فيه بمعنى ( أي ) التفسيرية فإنَّ{ أن تزكى وأهديك} في قوة المفرد .والتقدير: هل لك في التزكية وهدايتي إياك فخشيتك الله تعالى .
والهداية الدلالة علء الطريق الموصل إلى المطلوب إذا قبلها المَهْدي .
وتفريع{ فتخشى} على{ أهديك} إشارة إلى أن خشية الله لا تكون إلا بالمعرفة قال تعالى:{ إنما يخشى اللَّه من عبادة العلماء}[ فاطر: 28] ،أي العلماء به ،أي يخشاه خشية كاملة لا خطأ فيها ولا تقصير .
قال الطيبي: وعن الواسطي: أوائل العلم الخشية ،ثم الإِجلال ،ثم التعظيم ،ثم الهيبة ،ثم الفناء .
وفي الاقتصار على ذكر الخشية إيجاز بليغ لأن الخشية ملاك كل خير .وفي « جامع الترمذي » عن أبي هريرة قال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خَافَ أدْلَج ومن أَدْلَج بلغ المنزل"{[444]} .
وذُكِر له الإله الحق بوصف{ ربك} دون أن يذكر له اسمُ الله العلم أو غيره من طرق التعريف إلطافاً في الدعوة إلى التوحيد وتجنباً لاستطارة نفسه نفوراً ،لأنه لا يعرف في لغة فرعون اسم لله تعالى ،ولو عَرَّفه له باسمه في لغة إسرائيل لنَفر لأن فرعون كان يعبد آلهة باطلة ،فكان في قوله:{ إلى ربك} وفرعون يعلم أن له رباً إطماع له أن يرشده موسى إلى ما لا ينافي عقائده فيُصغي إليه سمعه حتى إذا سمع قوله وحجته داخَلهُ الإِيمان الحق مدرَّجاً ،ففي هذا الأسلوب استنزالٌ لطائره .
والخشية: الخوف فإذا أطلقت في لسان الشرع يراد بها خشية الله تعالى ،ولهذا نُزل فعلها هنا منزلة اللازم فلم يذكر له مفعول لأن المخشي معلوم مثل فعل الإِيمان في لسان الشرع يقال: آمَن فلان ،وفلان مؤمن ،أي مؤمن بالله ووحدانيته .