{أَسَاطِيرُ}:أحاديث ،وهي جمع أسطورة ،وتغلب على الأخبار الخرافية .
مناسبة النزول
في الدر المنثور: «أخرج ابن جرير ،وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كان النضر بن الحارث يختلف إلى الحيرة فيسمع سجع أهلها وكلامهم ،فلما قدم إلى مكة سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلّم والقرآن ،فقال:{قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَآ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} » .
أقول: وهناك بعض روايات اَخر في أن القائل بهذا القول هو النضر ابن الحارث ،وقد قتل يوم بدر صبراً .
وفيه: «أخرج البخاري ،وابن أبي حاتم ،وأبو الشيخ ،وابن مردويه ،والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو جهل بن هشام:{اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فنزلت:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} » .
وفيه: «أخرج ابن جرير عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: محمد( ص ) أكرمه الله من بيننا ؟{اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} الآية ،فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ،فقالوا: غفرانك اللهم ،فأنزل الله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} إلى قوله:{لاَ يَعْلَمُونَ} » .
وفيه: «أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير( رض ) قال: كانت قريش يعارضون النبي( ص ) في الطواف ،يستهزئون ويصفرون ويصفّقون فنزلت:{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} » .
وفيه: «أخرج أبو الشيخ عن نبيطوكان من الصحابة ( رض )في قوله:{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ} الآية ،قال: كانوا يطوفون بالبيت الحرام وهم يصفرون » .
وفيه: «أخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل:{إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} ،قال: المكاء: صوت القنبرة ،والتصدية: صوت العصافير وهو التصفيق ،وذلك أن رسول الله( ص ) كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة كان يصلي قائماً بين الحجر والركن اليماني ،فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ،ويصيح أحدهما كما يصيح المكاء ،والآخر يصفق بيده تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته » .
وفيه: «أخرج ابن إسحاق وابن جرير ،وابن المنذر ،وابن أبي حاتم ،والبيهقي في الدلائل كلهم من طريقه قال: حدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حيان ،وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمر ،قالوا: لما أُصيبت قريش يوم بدر ورجع فلّهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره ،مشى عبد الله بن ربيعة وعكرمة بن أبي جهل ،وصفوان بن أُميّة في رجال من قريش إلى من كان معه تجارة فقالوا: يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثأراً ،ففعلوا ،ففيهمكما ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهماأنزل الله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله:{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} » .
وفيه: «أخرج ابن سعد ،وعبد بن حميد ،وابن جرير ،وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سعيد بن جبير في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} الآية ،قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب ،استأجر يوم اَحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة يقاتل بهم رسول الله( ص ) سوى من استجاش من العرب ،فأنزل الله فيه هذه الآية ،وهم الذين قال فيهم كعب بن مالك رضي الله عنه:
وجئنا إلى موج من البحر وسطه أحابيش منهم حاسر ومقنع »
ثلاثة آلاف ونحن نصيةٌ ثلاث مئين إن كثرن فأربع
من ملامح المجتمع الكافر
وهذه صورة حيّة للأسلوب الذي كان يستخدمه الكافرون في مواجهة الرسول والرسالة ،وللجوّ العدواني الذي كانوا يثيرونه ضدّهما ...وكيف واجههم الله بوعيده بإنزال العذاب عليهم في الآخرة ،وبدحر مخططاتهم في الدنيا ،وبكشف كل أوضاعهم المنحرفة الضالة .
استهانة الكفّار بآيات الله تعالى
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتُنَا} في ما كان يتلوه عليهم رسول الله من وحي الله ،ليتأملوا وليفكروا في معانيه ليهتدوا به ،{قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا} في طريقةٍ توحي بالاستخفاف واللاّمبالاة ،كمن يحاول أن ينتهي من الموضوع بشكل سريع ،ولهذا فهو يحاول أن لا يدخل في حوارٍ للوصول إلى النتيجة الحاسمة ،فيلقي الكلام من دون تفكير .{لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَآ} ،لأن ما تقدمه لنايا محمدمجرد كلام ،كالكلام الذي نحدث به بعضنا بعضاً ،فليس فيه شيء غير مألوف بما تعوّد الأنبياء أن يقدّموه إلى الناس .{إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَطِيرُ الأَوَّلِينَ} في ما كانوا يتحدثون به من خرافاتٍ لا تمثل شيئاً من الحقيقة .وهكذا نجد أنهم لا يريدون للمسألة أن تأخذ الطابع الجديّ للنقاش وللحوار المفيد .