ثم أخبر تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم ودعواهم الباطل عند سماع آياته تعالى بقوله:
31{ وإذا تتلى عليهم ءاياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين}
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا} أي مثل هذا{ لو نشاء لقلنا مثل هذا} أي المتلوّ .وهذا غاية المكابرة ،ونهاية العناد .كيف لا ؟ ولو استطاعوا شيئا من ذلك ،/فما الذي كان يمنعهم من المشيئة ،وقد تُحُدُّوا غير ما مرة أن يؤتوا بسورة من مثله ،وقُرِّعوا على العجز ،وذاقوا من ذلك الأمرين ،ثم قورعوا بالسيف ،فلم يعارضوا سواه ،مع فرط أنفسهم ،واستنكافهم أن يغلبوا ،خصوصا في باب البيان الذي هم فرسانه ،المالكون لأزمته ،وغاية ابتهاجهم به .
وقوله تعلى:{ إن هذا إلا أساطير الأولين} أي ما سطروه وكتبوه من القصص .قيل ( أساطير ) لا واحد له ،وقيل:هو جمع أسطر وسطور وأسطار ،جموع سطر ،بسكون الطاء وفتحها فهو جمع الجمع .وقيل هو جمع أسطورة ،كأحدوثة وأحاديث .والأصل في السطر الخط والكتابة .يقال:سطر:كتب ،ويطلق على الصف من الشيء كالكتاب والشجر .كذا في ( القاموس وشرحه ) .
وقد روي أن قائل هذا النضر بن الحارث من كلدة ،وأنه كان ذهب إلى بلاد فارس ،وجاء منها بنسخة حديث رستم واسفنديار ،ولما قدم ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه الله ،وهو يتلو على الناس ما قصه تعالى من أحاديث القرون .قال:لو شئت لقلت مثل هذا فزعم أنه مثل ما تلقفه .وكان عليه الصلاة والسلام إذا قام من مجلس ،جلس فيه النضر فحدثهم من متلقفاته ثم يقول:بالله ! أينا أحسن قصصا ،أنا أو محمد ؟ وقد أمكن الله تعالى منه يوم بدر وأسره المقداد ،ثم أمر صلى الله عليه وسلم به فضربت عنقه .وإسناده قولَه إلى الجميع ،إما لرضا الباقين به أو لأن قائله كبير متبع .وقد كان اللعين قاصّهم الذي يعلمهم الباطل ويقودهم إليه ،ويغرهم بمثل هذه الجعجعة .