{وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} لتندفعوا في المعركة من موقع الاستهانة بهم ،لتنطلقوا بروحٍ قويةٍ ثابتةٍ{وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} ليتحركوا نحوكم بروح الاستهانة والتهوّر التي تمنعهم من الاستعداد الذاتي والحذر الشديد ،ليساهم ذلك في إتمام عملية النصر ،{لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} في ما يقضيه من انتصار المسلمين على المشركين ،على أساس تهيئة الجو النفسي الذي يدفع بالمعركة في الاتجاه المفاجىء لمصلحة المسلمين .{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} لأن بداياتها منه ونهاياتها إليه .
معركة بدر وإيحاءات الحرب النفسية
وربما نستوحي من ذلك أن من الممكن لقيادة المعركة أن تقوم بعمليةٍ إيحائيةٍ للمقاتلين ،من أجل تثبيت أقدامهم ،وتطمين أنفسهم ،وذلك بإعطاء صورةٍ عن موازين القوى في المعركة ،بطريقةٍ مختلفةٍ عن الواقع ،في عدد الأعداء وفي طبيعة استعدادهم ،وفي الأوضاع السياسية المحيطة بهم ،وفي كل القضايا المتصلة بتحضير الأجواء التي تدفع بالمعركة إلى خط النصر ،لأن المقاتلين ينتصرون أو ينهزمون بالقوة أو الضعف الداخلي ،قبل القوة العسكرية أو الضعف العسكري .ولهذا وجدنا الحرب الإعلامية تحقق الانتصار والهزيمة قبل الدخول في المعركة ،في ما تحققه من هزيمةٍ نفسية تضعف معنويات المعركة ،أو في ما تحققه من معنويّاتٍ عالية تزيد من فرص النصر .
وعلى ضوء ذلك ،نعرف أنّ الإسلام يتحرّك في خط الأسلوب الواقعي في العمل ،في نطاق المصلحة الإسلامية العليا ،بعيداً عن الأجواء المثالية التي تتجمّد أمام حرفيّات التشريع أو مثاليات الأخلاق ...ولعلنا نستطيع أن نقرّرمن خلال ذلكأن القيم الأخلاقية الإسلامية ليست مطلقةً ،بل هي نسبيّة محدودة بحدود مصلحة الإنسان العامة ،في ما تفرضه من الانسجام معها في بعض المواقع أو الابتعاد عنها في مواقع أخرى ،مما يدفعنا إلى الابتعاد عن إصدار الأحكام الأخلاقية بشكلٍ مطلق .