{ وإذ يريكُمُوهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا}:قوله{ وإذ يريكموهم} معطوف على قوله قبله{ إذ يريكهم الله} لأنه سبب في معناه فجمع معه واتصل بهبخلاف إذفي الآيتين قبلها فلذلك جاءت كل منهما مفصولة غير معطوفة .والخطاب هنا للمؤمنين كافة والرسول صلى الله عليه وسلم معهم ، فالمعنى:وفي ذلك الوقت الذي يريكم الله الكفار عند التلاقي معهم قليلا بما أودع في قلوبكم من الإيمان بوعد الله بنصره لكم وبتثبيتكم بملائكته ومن احتقارهم والاستهانة بهم ، ويقللكم في أعينهم لقلتكم بالفعل ، ولما كان عندهم من الغرور والعجب .حتى قال أبو جهل:إنما أصحاب محمد أكلة جزور .كأنه يقول نتغداهم ونتعشاهم في يوم واحدوكانوا يأكلون في كل يوم جزورا .ومعنى التعليل ليقدم كل منكم على قتال الآخر:هذا واثقا بنفسه ، مدلا ببأسه ، وهذا متكلا على ربه ، واثقا بوعده ، حتى إذا ما التقيتم ثبتكم وثبطهم ، فيقضي بإظهاركم عليهم أمرا كان في علمه مفعولا ، فهيأ له أسبابه وقدرها تقديرا ، ولا حاجة إلى جعل هذا الأمر المفعول غير الذي ذكر قبله وإن سهل ذلك بغير تكلف باعتبار مبدأ الأمر وغايته ، وحسن تأثيره وثمرته ، وقد كان في الفريقين عظيما .فإن تكرار ما تقتضي الحال تكراره أصل من أصول البلاغة ومقصد من أهم مقاصدها خلافا لما زعم متنطعو المحسنات اللفظية .
{ وإلى الله ترجع الأمور} فلا ينفذ شيء في العالم إلا ما قضاه تعالى وقدر أسبابه ، وإنما القضاء والقدر قائمان بسننه تعالى في الأسباب والمسببات ، فهو لو شاء لخلق في القلوب والأذهان ما أراده بتأثير منام الرسول وبتقليل كل من الجمعين في أعين الآخر من غير أن يرتبهما على هذين السببين ، ولكنه ناط كل شيء بسبب ، وخلق كل شيء بقدر ، حتى أن بعض آياته لرسله وتوفيقه لمن شاء من عباده يكونان بتسخير الأسباب لهم وموافقة اجتهادهم وكسبهم لسننه تعالى في الفوز والفلاح ، كما أن بعض الآيات يكون بأسباب غيبية كتأييد الملائكة وتثبيتهم أو بغير سبب .