{ إذ يريكهم الله في منامك قليلا} قوله{ إذ يريكهم} هنا كقوله قبله{ إذ أنتم بالعدوة الدنيا} كلاهما بدل من يوم الفرقان .والمعنى أن الله تعالى أرى رسوله في ذلك اليوم أو الوقت رؤيا منامية مثل له فيها عدد المشركين قليلا فأخبر بها المؤمنين فاطمأنت قلوبهم وقويت آمالهم بالنصر عليهم كما قال مجاهد ، ومن الغريب أن لا نرى في دواوين الحديث المشهورة حديثا مسندا في هذه الرؤيا{ ولو أراكهم كثيرا لفشلتم} أي أحجمتم ونكلتم عن لقائهم بشعور الجبن والضعف{ ولتنازعتم في الأمر} أي ولوقع بينكم النزاع وتفرق الآراء في أمر القتال ، فمنكم القوي الإيمان والعزيمة يقول نطيع الله ورسوله ونقاتل ، ومنكم الضعيف الذي يثبط عن القتال بمثل الأعذار التي جادلوا بها الرسول كما تقدم في قوله تعالى:{ يجادلونك في الحق بعدما تبين} [ الأنفال:6] الآية .
فإن قلت كيف يصح مع هذا أن تكون رؤيا الأنبياء حق وأنها ضرب من الوحي ؟ ( قلت ) قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قدر عدد المشركين بألف وأخبر أصحابه بذلك مع أن عددهم 313 ولكنه أخبرهم مع هذا أنه رآهم في منامه قليلا لا أنهم قليلا في الواقع ، فالظاهر أنهم أولوا الرؤيا بأن بلاءهم يكون قليلا ، وأن كيدهم يكون ضعيفا ، فتجرؤوا وقويت قلوبهم{ ولكن الله سلم} أي سلمكم من الفشل والتنازع وتفرق الكلمة وعواقب ذلك{ إنه عليم بذات الصدور} أي عليم بما في القلوب التي في الصدور من شعور الجبن والجزع الذي تضيق به فتنكل عن الإقدام على القتال ، ومن شعور الإيمان والتوكل الذي يبعث فيها طمأنينة الشجاعة والصبر فيحملها على الإقدام ، فيسخر لكل منها الأسباب التي تفضي إلى ما يريده منها .