{فَاثْبُتُواْ}: الثبات: قال الراغب ،الثباتبفتح الثاءضد الزوال .
وهو في المورد ضد الفرار من العدوّ .وهو بحسب ما له من المعنى أعمّ من الصبر الذي يأمر به الله في قوله:{وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ،فالصبر ثبات قبال المكروه ،بالقلب بأن لا يضعف ولا يفزع ولا يجزع ،وبالبدن أن لا يتكاسل ولا يتساهل ولا يزول عن مكانه ولا يعجل في ما لا يحمد فيه العجل ،فالصبر ثباتٌ خاصٌ .
القرآن يدعو للثبات والصبر والوحدة
وتبقى للمعركة مواعظها ووصاياها الإلهية ،التي تضع للقوة قواعدها وأخلاقها ،لأن الله يريد للمقاتلين في أيّة معركةٍ أن لا يعتبروها مجرد ساحةٍ للقتل والقتال ،بل يريد لهم أن يجدوا فيها الساحة التي تتحرك فيها الرسالة في خطين ؛خطِّ تحطيم الحواجز التي يريد الأعداء أن يقيموها ضد حريتها في الدعوة وفي الحركة ،وخطٍّ تبني فيه الإنسان على قاعدةٍ روحيّةٍ تنطلق مع الله في آفاق الخير والقوة ،وتخوض مع الشيطان معركة القوة في مواجهة الضعف ،والثبات في مواجهة الاهتزاز ،ليظل الإنسان في كل مواقعه قريباً من حركة الرسالة في حياته .فليس هناك ازدواجيةٌ بين الذات والرسالة ،حتى يكون لكل واحدٍ منهما موقعٌ خاص به ،بل هو الموقع الواحد المتنوّع الألوان والأوضاع .وهذا ما نستوحيه من هذه الآيات .
أمر بالثبات أمام العدوّ
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} .إن الإيمان يفرض على المؤمنين أن لا يدخلوا في معركةٍ مع أيّ فريقٍ من الناس إلاّ بعد أن تتّضح لهم شرعيتها ،من خلال طبيعة المواقف والتحديات الضاغطة على الإسلام والمسلمين .وعلى هذا الأساس ،فلا بد لهم أن يثبتوا ويستمروا في المعركة حتى النهاية انطلاقاً من وضوح سلامة الهدف من موقع سلامة الرؤية ،لأنهم سيقفون بين خيارين ،وكلاهما خير ،النصر أو الشهادة ؛وبذلك يمكنهم أن يحصلوا على العنصر الحقيقي للقوة في موقفهم .
ذكر الله منبعٌ من منابع القوة
{وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً} ،لأنه يمثّل مصدر القوة في مواقف الضعف ،وأساس الأمن في مواقع الخوف ،وقاعدة الانضباط في حالات الاهتزاز والانحراف ،فيشعر المؤمنمعهبأنه لا ينطلق في المعركة من حالةٍ مزاجيةٍ قد تجره إليها أجواء المعركة ،بل من مهمةٍ رسالية تفرضها عليه رسالته بأمر ربه .{لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لأن الأمّة التي ترتكز على الثبات وعلى المراقبة الدائمة لله في جميع مواقفها السلمية والحربيّة ،سوف تسير إلى الفلاح في الدنيا والآخرة .