قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون 45 وأطيعوا الله ورسوله ولا تتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} هذا بيان من الله لعباده المؤمنين ؛إذ يأمرهم بالثبات عند لقاء العدو .فما يحل لهم أن يفروا من وجه العدو الظالم ولا يضطربوا وينثنوا أو يتخاذلوا وتلين قناتهم .بل عليهم أن يستبسلوا في المواجهة والقراع ،وأن يقاتلوا أعداء الله مع شجاعة وحماسة وجراءة .
إنه ما يجوز للمسلمين .بحال أن يتملكهم الجبن والذعر عند اللقاء في الحرب فيولوا الأدبار ؛فإنه لا يولي دبره عند لقاء العدو .إلا كل خائر جبان ،غير خليق باحتسابه في فئة المؤمنين الصادقين .بل إن المؤمنين الصادقين أوفياء ثابتون على الحق ،ماضون على أمر الله ودينه ،لا تزعزعهم جحافل الكافرين الأنداد مهما جمعوا وأعدوا وكادوا .ومن أكرم ما يرد في هذا الصدد ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله ابن أبي أوفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: ( يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسألوه الله العافية ،فإذا لقيتموهم فاصبروا ،واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم منزل الكتاب ،ومجري السحاب ،وهازم الأحزاب ،اهزمهم وانصرنا عليهم ) وفي الخبر عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تتمنوا لقاء العدو واسألوه الله العافية ،فإذا لقيتموهم فاثبتوا ،واذكروا الله ،فإن صخبوا وصاحوا فعليكم بالصمت ) .وعن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا قال: إن الله يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن ،وعند الزحف ،وعند الجنازة ) .
وقد أمر الله المسلمين عند لقاء العدو أن يذكروا الله كثيرا لكي يكونوا من الفالحين الفائزين بالنصر في الدنيا ورضوان الله في الآخرة .
أما ذكر الله عند لقاء: فهو أن يكونوا في كل أحوال القتال ذاكرين الله بألسنتهم معلنين الطاعة والضراعة والإخبات .وأن يذكروه بقلوبهم خاشعين مستسلمين وهم يستنصرونه ويدعونه أنه يظهرهم ويخذل عدوهم .