{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} أي مهّد للإنسان سبل الحياة في ما سخّره له من ظواهرها المتصلة بوجوده ،كما مهّد له سبل الهداية في ما فتحه له من طرق معرفة الخير والشّرّ ،ليختار ما يريده منها ،وفي ما أودعه ،في ذاته ،من عناصر الحركة ،التي يتمكن بها من سلوك الطريق المستقيم ،ومن الأخذ بأسباب الحياة .
وهناك توجيهٌ آخر لهذه الآية ،ذكره صاحب تفسير الميزان قال: «ظاهر السياق المقصود به نفي العذر من الإنسان في كفره واستكباره ،أن المراد بالسبيلوقد أطلقالسبيل إلى طاعة الله وامتثال أوامره ،وإن شئت فقل: السبيل إلى الخير والسعادة .
فتكون الآية في معنى دفع الدخل ،فإنه إذا قيل:{مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} أمكن أن يتوهم السامع أن الخلق والتقدير إذا كانا محيطين بالإنسان من كل جهةٍ ،كانت أفعال الإنسان لذاته وصفاته مقدّرة مكتوبة ومتعلّقة لمشيئة الربوبية التي لا تتخلف ،فتكون أفعال الإنسان ضرورية الثبوت واجبة التحقق ،والإنسان مجبراً عليها فاقداً للاختيار ،فلا صُنع للإنسان في كفره إذا كفر ،ولا في فسقه إذا فسق ،ولم يقض ما أمره الله به ،وإنما ذلك بتقديره ،تعالى ،وإرادته ،فلا ذمّ ولا لائمة على الإنسان ،ولا دعوة دينية تتعلق به ،لأن ذلك كله فرعٌ للاختيار ولا اختيار .
فدفع الشبهة بقوله:{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} ،ومحصله أن الخلق والتقدير لا ينافيان كون الإنسان مختاراً في ما اَمر به من الإيمان والطاعة ،له طريقٌ إلى السعادة التي خلق لها ،فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له ،وذلك أن التقدير واقعٌ على الأفعال الإنسانية من طريق اختياره ،والإرادة الربوبية متعلقةٌ بأن يفعل الإنسان بإرادته واختياره كذا وكذا ،فالفعل صادرٌ عن الإنسان باختياره ،وهو بما أنه اختياريٌّ متعلّق للتقدير .
فالإنسان مختارٌ في فعله مسؤول عنه ،وإن كان متعلقاً للقدر ..»[ 1] .
ولكن يظهر من سياق الآية أن المراد هو تذكير الإنسان بتطور وجوده ،ومواقع نعمة الله عليه ،لينتهي من خلال التفكير بذلك إلى الإيمان بالله ،وليبتعد عن خط الكفر به ،وليس المراد الحديث عن طبيعة مسؤوليته ،في ما هو الجبر والاختيار ،لأن الجوّ ليس جوّ البحث في تفاصيل طبيعة خلق الإنسان في تكوينه الداخلي والخارجي .