{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} أي انتظر بهميا محمدولا تعجل عليهم ،فقد يحتاج الأمر إلى أن يطرحوا كل ما عندهم ،وأن يتحرّكوا في خط المواجهة معك ،وأن يثيروا الغبار في وجهك ،وأن يأخذوا بأسباب القوّة التي يملكونها في مواجهتك ،وأن ينالوا من المؤمنين موقفاً .وقد يحتاج المؤمنون أن يعيشوا تجربة الصراع ليتألّموا في مواقع الإيمان ،وليضطهدوا في مواقف الدعوة ،وليعانوا الكثير من الآلام في خطّ التحدّي الكبير ،لتتعمق تجربتهم ،وتتصلّب مواقفهم ،ويكبر موقعهم ،وتتّسع ذهنيتهم ،من أجل أن ينتفعوا بذلك في تجربة الحركة المستقبلية في خط الدعوة والجهاد ،لأن المؤمنين إذا لم يعيشوا التجربة القاسية في مواقع الصراع ،فلن يستطيعوا أن يملكوا النتائج الكبيرة في ساحات الانتصار .
وهكذا أراد الله من رسوله أن يستوعب طبيعة المرحلة ،ليكون انتظاره انتظار الخطة لا انتظار العجز ،وليعرف أن الله قادرٌ على أن يعجل عليهم لو أراد النبي ذلك في ما يملك من الدرجة الرفيعة عنده .لكنَّ الله أراد له أن يتمهّل وقتاً قريباً ،ليستكمل تجربته في الدعوة ،ومتابعته لخطط الأعداء التي يكشفها الله له ،وليثق بأن كيد الله فوق كيد الكائدين ،وإرادته فوق بغي الكافرين .
من وحي الآيات
وقد نستوحي من ذلك ،أنّ الدعاة إلى الإسلام والعاملين في سبيله ،لا بدّ لهم من أن لا يتعبوا من خلال طول الزمن وامتداد المرحلة التي يتحرّكون فيها ،وأن لا يتعقّدوا من المؤامرات المتنوّعة التي يدبّرها الكافرون ضدّهم بوسائلهم المختلفة ،وأن لا يستعجلوا النجاح قبل توفّر شروطه الموضوعية ،لأن طبيعة التعقيدات السياسية أو الاجتماعية أو الأمنية أو الاقتصادية قد تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ للحلّ من خلال الظروف الموضوعية المعقدة الخاضعة لأوضاع الزمان والمكان والأشخاص ونحو ذلك .
وعلى ضوء ذلك ،فقد يكون من الضروريّ لهم أن يدخلوا في الحسابات الدقيقة للمواقف ،وأن يدرسوا طبيعة خلفيات الكيد الاستكباري وظروفه وأوضاعه ،وأن يتابعوا تطورات الساحة الإسلامية ومشاكلها ومواقفها ،وأن يثقوا بالله في نصره للمؤمنين إذا أخذوا بأسباب النصر وتوكلوا على الله في ما لا يملكون أمره ،لأِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ،وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ،فعليهم أن يأخذوا بتقدير الله للأمور ،في ما تعبر عنه السنن الكونية للمجتمع وللحياة ،ويضعوا في وعيهم أن الكافرين إذا كانوا{يَكِيدُونَ كَيْداً} ،فإن الله يكيد لهم كيداً مماثلاً أو أعظم منه بما يبطل خططهم ،ويهزم جمعهم ،ويجعل الخير للمؤمنين في كل حال .