موقف الإنسان من ابتلاء الله أو تكريمه
وإذا كان الله بالمرصاد لعباده ،فلا بد لهم من أن يراقبوه ويدققوا جيّداً في كل الأوضاع التي تصيبهم في ما يصدر منه بشكل مباشر ،أو بلحاظ السنن الكونية والاجتماعية ،مما قد يكون تدريباً لهم على الدخول في التجربة الحيّة في دائرة مشاكل الحياة ،كالفقر والغنى ،والأمن والخوف ،ليعرفوا أن عليهم أن لا يحكموا حكماً قطعياً حاسماً على طبيعة الظاهرة الواقعية في حياتهم في إيحاءاتها السلبية أو الإيجابية ،فربما كانت اختباراً وامتحاناً لإيمانهم ،في ما يمكن أن تؤدي إليه مواقفهم في نهاية المطاف .ولكن الإنسان لا يتصرف بهذه الطريقة ،فيرتبط بالسطح ليحكم على أساسه ،ولا يرتبط بالعمق ،فيجعل قضاء الله في حياته مثل موازين الناس في أوضاعهم على مستوى حركة العلاقات وطبيعتها .
النعمة ليست دليل كرامة الله للإنسان
{فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي} فيرى النعمة في ما وسّع الله عليه من رزقه امتيازاً وكرامة ،بحيث يشعر بالامتياز الذاتي في الرعاية الإلهية دون سائر الخلق ،فيدفعه ذلك إلى الشعور بالكبرياء والعلوّ على الآخرين .ولكن الإنسان لا يتعمق في المسألة جيّداً ،فإن الله قد أجرى الحياة ،في عطائه للناس أو منعه عنهم ،على السنن الكونية والاجتماعية ،فلا يعطي إنساناً لكرامته عنده ،ولا يمنعه لاحتقاره لديه ،ولكن لاقتضاء تلك السنن ذلك .ولا بد له من ملاحظة أنَّ ذلك قد يكون اختباراً طبيعياً لصدقه في إيمانه ،لأن الله أراد من الناس الثبات في كل مواقع الاهتزاز الواقعية ،فلا تسقطهم الزلازل ،ولا تطغيهم المواقع ،لأن مسألة الإيمان ليست حالةً طارئةً تبرز في حالات الرخاء ،أو في حالة الشدّة ،ولأن مسألة الرجوع إلى الله والالتزام بالإخلاص لربوبيته ليست أمراً مربوطاً بوضعٍ معيّن ،بل لا بد من أن يكون الإيمان بالله والإخلاص له في جميع حالات الإنسان ،فقد يبتلي الله الإنسان بالغنى لينظر في عمله ،هل يشكر نعمة الله ،فيخشع قلبه له ،ويشعر بأن ما عنده هو منه سبحانه ،ويبذل ذلك في طاعته ،ويحرِّكه في مواقع رضاه ،أو يفكِّر بنعمة الله عليه فيعتبر ذلك كرامةً وامتيازاً ،أو يوحي لنفسه بأنه قد حصل عليها من خلال جهده وخبرته ،وليس لله دخلٌ في ذلك ،كما حدثنا الله عن قارون في قوله:{إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [ القصص:78] ثم يستعلي بما ملكه على الناس ليواجههم من موقع الكبرياء المالي .
ولهذا ،فلا بدّ للإنسان من اعتبار النعمة اختباراً وامتحاناً ،لا كرامةً وامتيازاً .