التّفسير
موقف الإنسان من تحصيل النعمة وسلبها !
بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن عقاب الطغاة ،وتحذيرهم وإنذارهم ،تأتي هذه الآيات لتبيّن مسألة الابتلاء والتمحيص وأثرها على الثواب والعقاب الإلهي ،وتعتبر مسألة الابتلاء من المسائل المهمّة في حياة الإنسان .
وتشرع الآيات ب: ( فأمّا الإنسان إذا ما ابتلاه ربّه فأكرمه ونعّمه فيقول ربّي أكرمن ) .
وكأنّه لا يدري بأنّ الابتلاء سنّة ربّانية تارة يأتي بصورة اليسر والرخاء واُخرى بالعسر والضراء .
فلا ينبغي للإنسان أن يغتر عند الرخاء ،ولا أن ييأس عندما تصيبه عسرة الضراء ،ولا ينبغي له أن ينسى هدف وجوده في الحالتين ،وعليه أن لا يتصور بأن الدنيا إذا ما أرخت نعمها عليه فهو قد أصبح مقرّباً من اللّه ،بل لابدّ أن يفهمها جيدّاً ويؤدّي حقوقها ،وإلاّ فسيفشل في الامتحان .
ومن الجدير بالملاحظة ،أنّ الآية ابتدأت بالحديث عن إكرام اللّه تعالى للإنسان «فأكرمه ونعمه » ،في حين تلومه على اعتقاده بهذا الإكرام في آخرها: ( فيقول ربّي أكرمن ) ،وذلك ..لأنّ الإكرام الأوّل هو الإكرام الطبيعي ،والإكرام الثّاني بمعنى القرب عند اللّه تعالى .
( وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربّي أهانن ) .
فيأخذه اليأس ،ويظن إنّ اللّه قد ابتعد عنه ،غافلاً عن سنّة الابتلاء في عملية التربية الربّانية لبني آدم ،والتي تعتبر رمزاً للتكامل الإنساني ،فمن خلال نظرة ومعايشة الإنسان للابتلاء يرسم بيده لوحة عاقبته ،فأمّا النعيم الدائم ،وأمّا العقاب الخالد .
وتوضح الآيتان بأنّ حالة اليسر في الدنيا ليست دليل قرب اللّه من ذلك الإنسان ،وكذا الحال بالنسبة لحالة العسر فلا تعني بُعد اللّه عن عبده ،وكلّ ما في الأمر أنّ الحالتين صورتان مختلفتان للامتحان الذي قررته الحكمة الإلهية ،ليس إلاّ .
وتأتي الآية ( 51 ) من سورة فصّلت في سياق الآيتين: ( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشّر فذو دعاء عريض ) .
وكذا الآية ( 9 ) من سورة هود: ( ولئن أذقنا الإنسان منّاً رحمة منّا ثمّ نزعناها منه إنّه ليؤس كفور ) .
وتنبهنا الآيتان أيضاً ،بأن لا نقع في خطأ التشخيص ،فنحكم على فلان بأن اللّه راضي عنه لأنّه يفعم بالنعم الإلهية ،وأن فلان قد سخط عليه اللّه لأنّه محروم من نعم كثيرة ،ولابدّ لنا من الرجوع إلى المعايير الثابتة عند القيام بعملية التشخيص والتقييم ،فالعلم والإيمان والتقوى هي أسس التقييم ،وليس ظاهر التمتع بحالة السراء ..
فما أكثر الأنبياء الذين تناوشتهم أنياب البلايا والمصائب ،وما أكثر الكافرين والطغاة الذين تنعموا بمختلف ملاذ الدنيا ،إنّها من سنن طبيعة الحياة الدنيا ،ولكن ..أين الأنبياء من الكافرين و ..عقبى الدار ؟!
فالآية إذن ،تشير إلى فلسفة البلاء ،وما يصيب الإنسان من محن وإحن في دنياه .