{أَوْفَى بِعَهْدِهِ}: أكثر إتماماً له ومحافظة عليه .
شراء الله من المؤمنين أموالهم وأنفسهم
كيف يواجه المؤمنون الموقف مع الله ،في ما يملكونه من نفسٍ ومال ؟وهل للجنّة ثمنٌ عند الله ،أو أن المسألة تنتهي بطريقةٍ مجانيّة ؟وما هو الثمن ،وكيف تتم عملية المقايضة ؟هذه أسئلةٌ تتوالى في الفكر ،وتجيب عنها الآيتان .
المؤمن بائع والله يشتري
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّةَ} فهناك عملية بيع وشراء مع الله ،فالمؤمن هو البائع الذي باع نفسه وماله لله ،والله هو المشتري الذي جعل الجنة عوضاً عن ذلك .وإذا كان الله يملك الإنسان في ماله ونفسه ،فكيف نتصور مسألة البيع هذه ؟ويمكن الجواب عن ذلك بأن الله أراد الإيحاء للإنسان بأنه يترك له الحرّية في ما يتصرف به من ماله ونفسه ،ليحدّد هو طبيعة تصرفاته فيهما .ولمن يكون البيع ،هل هو للمالك الأصلي الحقيقي ،أو هو للمالكين الطارئين الذين لا يملكون شيئاً من نفسه وماله ؟وفي هذا الجو ،يتمثل إيمان الإنسان ،في مدلوله العميق ،بيعاً للمال والنفس ،لله تعالى ،وهذا ترجمة لمعنى العبودية الحقة لله تعالى ،هذا المعنى الذي يؤكد معنى المملوكية المطلقة لله ،حيث لا يملك العبد ،في جنب الله ،حرية التصرف في ماله ونفسه وكل ما تحت يديه في غير المجال الذي أراده الله منه ،وهو خط الجهاد ،وفي المقابل ،فإن العبد سيفوز بالجنة لقاء العبد ما يدفعه ثمناً لها .{يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ويجاهدون بالمال والروح{فَيَقْتُلُونَ} أعداء الله ،{وَيُقْتَلُونَ} بأيديهم في معركة الكفر والإيمان .
تشريع الجهاد ثابت في كل الرسالات
{وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} ثابتاً لا يمكن التراجع عنه أو التردّد فيه{فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ} فليست القضية وقفاً على أهل دينٍ بعينه ،أو جماعةٍ بعينها ،أو مرحلة زمنيّة محدودةٍ ،بل هي شاملة لكل الأديان والجماعات والأزمنة ،فقد أنزل الله ذلك على موسى في التوراة ،وعلى عيسى في الإنجيل ،وعلى محمد في القرآن ،لتتحرك خطة الجهاد على مراحل يتصل بعضها ببعض ،ويقَوِّي بعضها بعضاً ،ما يوحي بأن الجهاد هو شريعة الله في كل العصور وبرنامج الرسل في كل مراحل التاريخ .فالله يريد القوّة للحق الذي أنزله ،ولا قوة بدون جهادٍ ،ولا جهاد بدون استعدادٍ للعطاء والتضحية .وبهذا نستطيع أن نعرف خطأ الفكرة التي تقول إن الجهاد فريضةٌ إسلامية في التشريع الإسلامي الذي انطلق في رسالة محمد( ص ) ،لنخلص إلى الفكرة التي ترى فيه الفريضة الدينية في جميع الرسالات ،فلا بد للمؤمن من أن يقدّم نفسه وماله لله ،من أجل إعلاء كلمته ،بالدعوة إلى دينه ،والعمل في سبيله ،والجهاد من أجل إقامته على أساسٍ ثابتٍ متين في كل أنحاء الأرض .
المتاجرة مع الله رابحة
{وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} عندما يعاهد عبده على الوفاء .
{فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} لأنه التجارة التي لا خسارة فيها ،بل هو الربح كله والغنم كله ،وأيّ ربح أعظم من ربح المصير في الآخرة ،وأيّ غنيمةٍ أعظم من الجنة ،وأيّ بيع أعظم من أن يبيع الإنسان نفسه لله ؟!{وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي يربح الإنسان فيه نفسه ليجد في النهاية أنه يملك نفسه التي بذلها في سبيل الله ،كما يملك عوضها وهو الجنة .