الآيات ..وحرّيّة الإرادة
{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي الطريق الذي يؤدّي إلى الفجور في الفكر والعمل ،والطريق الذي يؤدّي إلى التقوى في الوعي والحركة .وذلك من خلال الانفتاح على آفاق معرفة الخير والشرّ ،ليعرف مواقع هذا ومواقع ذاك ،لتكون مسألة الاختيار في حركة الإرادة خاضعةً لحركة المعرفة في تأثيرها على النوازع النفسيّة والمواقع العمليّة ،وذلك من حيث اختلاف الدوافع والنتائج ،فقد يكون العمل الواحد في عنوانه موقعاً للفجور وموقعاً للتقوى من خلال حيثيّتين: ففي العمل الجنسي ،نجد الفجور يتمثل في الصادر عن زنئ ،والتقوى تتمثّل في الصادر عن زواجٍ شرعيّ .
والآية توحي بالعنصر الفلسفي الذي يؤكد مسألة الاختيار وحرية الإرادة الإنسانية ،من خلال انفعال الإنسان بالأفكار والمشاعر والأوضاع والظروف المحيطة به التي تمثل عناصر الاختيار وخلفياته في شخصيته المتأثرة بما حولها ،انطلاقاً من وعيه العميق للاتجاهين المتحركين في خطوط الحياة العامة في ما هي التفاصيل الصغيرة هنا وهناك .
فليس الإنسان مجبوراً على فعل الخير عندما يفعله ،ولا على فعل الشرّ عندما يفعله ،بل هو متحركٌ بينهما في ما ألهمه الله من وعي هذا الخط وذاك ،لتكون إرادته هي الأساس .وإذا كان البعض يناقش المسألة على أساس أن تأثر الإرادة بالظروف الداخلية أو الخارجية يؤثر حتميّاً بجعل الإنسان مقهوراً في إرادته ،فإننا نجيب ،بأن ذلك لا ينافي الحرية ،لأن الإرادة فعلٌ وليست انفعالاً ،بمعنى أن الظروف وحدها لا تفرض الحركة ،ولكنها تشارك في عملية الاختيار ،وإلاَّ لم يكن لدينا أيّ معنًى للإرادة في أيّ موقعٍ للفعل ،لأن ذلك لا ينفصل عن دراسة الموضوع ،في ما يمكن أن يرجّح جانب الإيجاب أو السلب فيه .