علَّم الإنسان ما لم يعلم
{عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فقد ولد الإنسان صفحةً بيضاء لا يملك أيّ حرفٍ للمعرفة في ذاته ،في ما هي تفاصيل الوجود ،وكليات الحقائق وجزئياتها ،ثم أعطاه الله العقل ،وزوَّده بالحواسّ ،وقدّم إليه مفردات العلم في ما يتحرك في عالم الحسّ ،ثم أعانه على ترتيب ذلك من أجل أن ينتج علماً جديداً ،ومن ثَمَّ ،يتحرك في دائرةٍ أخرى لينتج علماً آخر ،أو فكراً آخر ،ومن خلال ذلك ،تتوسع علامات الاستفهام لتبحث عن الأجوبة في فكرٍ جديدٍ وبحثٍ جديد ...وهكذا تتطور حركة العلم ،لتتطور معها آفاقه ،ليعلم{الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} من خلال الموهبة والإحساس والعقل والإرادة التي قدّرها الله في عمق شخصيته ،وفي سرّ وجوده .
وهكذا نجد أن هذه الآيات التي نزلت في بداية الرسالة ،كما هو المشهور بين المفسرين ،أو بعدها بقليل ،كما هو المعروف لدى بعضٍ منهم ،تضع أمام الإنسان عنوان هذه الرسالة وهي القراءة باعتبارها دليلاً للمعرفة ،والكتابة التي هي سر خلود المعرفة وامتدادها في ما يخط بها القلم ما أنتجه الإنسان ،وما حصل عليه بالوحي من علوم ،ثم تحدد له الحقيقة الإيمانية ،وهي أن الله هو الذي خلق الإنسان من علق ،وطوّر هذه القطعة الجامدة من الدم لتتحوّل إلى إنسان سويّ عاقلٍ مفكرٍ مريدٍ منفتحٍ على المعرفة من خلال الحواسّ الخمس والعقل الذي يتحرك في دائرتها ،وأن الله هو الذي علم الإنسان ما لم يعلم .وإذا عرفنا أن الله قد تحدث عن خلق الإنسان كمظهرٍ لعظمته ،وعن علم الإنسان كمظهرٍ آخر ،فإن معنى ذلك أن الله يريد من الإنسان أن يختزن في وعيه أن العلم يمثل القيمة العظيمة الكبيرة التي تدلّ على سرّ قدرته ،كما تدلّ على سرّ نعمته في حياة الإنسان الذي لا بد له أن يشكر هذه النعمة فيحوّل علمه إلى خدمة الله والحياة .