{وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فهذا هو عنوان الكتاب كله ،والدين كله ،وهو خلاصة الرسالات ،أن يعبد الناس الله عبادةً يخلصون فيها للدين الذي فرضه ،فيطيعونه في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه ،ويوحّدونه في ذلك كله ،{حُنَفَآءَ} مائلين عن خط الباطل إلى خط الاعتدال والتوازن ،في ما هو خط الاستقامة على النهج الذي أراد من الناس أن ينهجوه في تصوراتهم ،وفي انفعالاتهم ،وفي أقوالهم وأفعالهم .{وَيُقِيمُواْ الصَّلاةَ} التي تعبّر عن إخلاص القلب والروح والوجه واللسان والكيان كله لله وحده ،{وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ} كتعبيرٍ عن روحية العطاء المفتوح على كل حاجات الناس ،المتفاعل مع آلامهم وآمالهم ،في ما تمثله الزكاة من إنفاق المال في سبيل الله في مواردها المشروعة قربةً إلى الله .
ذلك دين القيّمة
{وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} أي الكتب القيّمة أو الشريعة القيّمة .قال النضر بن شميل: سألت الخليل بن أحمد عن هذا ،فقال: القيّمة جمع القيِّم ،والقيّم والقائم واحد ،فالمراد: وذلك دين القائمين لله بالتوحيد[ 1] ،وإذا تحدثنا عن التوحيد ،فإننا نتحدث عن العقيدة التي تربط الإنسان بكل أحواله الخاصة أو العامة بالله ،بحيث لا يتحرك إلا من خلاله ،ولا يسكن إلا بأمره ،وهو الذي يختصر العقيدة كلها ،والشريعة كلها في كلمة واحدة هي كلمة: «ربنا الله » ثم الاستقامة على هذا الخط .
وبذلك يفترق الناس في الموقف والمصير على أساس التزامهم بالخط وابتعادهم عنه .وهذا هو أساس التقييم القرآني لهم ،في من هو الشرّير ،وفي من هو الخيّر ،وفي من هو في النار ،أو في الجنة .