تفرق الذين أوتوا الكتاب بعدما جاءتهم البيِّنة{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} ولم يتوحّدوا بالكتاب ،وقد أنزله الله ليؤكد لهم الحقيقة الإيمانية الواحدة المنفتحة على الإله الواحد ،لبناء الأمة الواحدة التي تتمثل وحدتها في وحدة العقيدة والشريعة والمنهج وخطّ السير في اتجاه الهدف الكبير الواحد ،لأنهم لم ينطلقوا من الشعور العميق بالحاجة إلى المعرفة ،والارتباط بالإيمان ،بل انطلقوا من حساباتهم الذاتية التي تبحث عن العقيدة في الفكرة البسيطة ،وعن الصعوبة في المرتقى السهل ،لأنّ ذلك هو الذي يثير المزيد من التعقيدات ،ويدفع إلى الكثير من المشاكل ،وذلك هو الذي يغذي لهم أطماعهم في حركة الذات نحو أطماعها المادية .
ولم يكن تفرقهم ناشئاً من السعي نحو الوصول إلى رضى الله على طريقتهم الخاصة ،على أساس الموقع الاجتهادي الذي توصلوا إليه في فكرهم ،بل كان ناشئاً من البحث عن مواقعهم الخاصة التي يريدون أن يمنحوها عنوان الكتاب ،لتأخذ قداسةً غير واقعيةٍ عندما تنتمي إلى قداسة الكتاب .