{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} ( البقرة:119 ) .
التفسير:
قوله تعالى:{إنا أرسلناك}؛«إن » للتوكيد ؛اسمها «نا » لكن حذفت النون لتوالي الأمثال ؛مع أن الأصل أنها لا تحذف: «إننا » ؛لكن لا نقول اسمها الألف ؛إذ إن الألف لا تكون ضميراً إلا إذا اتصلت بفعل ،مثل: قالا ،قاما ،وما أشبه ذلك ؛وحذف المرسل إليه لإفادة العموم ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى العالمين ؛وغيره من الرسل إلى قومهم خاصة .
قوله تعالى:{بالحق}؛الباء هنا للمصاحبة ،أو الملابسة ؛يعني أرسلناك متلبساً بالحق ؛أو أن المعنى: حاملاً الحق في هذه الرسالة ؛والآية تحتمل المعنيين ؛أحدهما: أن إرسالك حق ؛والثاني: أن ما أرسلت به حق ؛والمعنيان كلاهما صحيح ؛فتحمل الآية عليهما ؛فالرسول صلى الله عليه وسلم رسالته حق ؛وعليه فالباء للملابسة ؛والرسول صلى الله عليه وسلم ما أرسل به فهو حق ؛وعلى هذا فالباء للمصاحبةيعني أن رسالتك مصحوبة بالحق؛لأن ما جئت به حق ؛والحق هو الثابت المستقر ؛وهو ضد الباطل ؛والحق بالنسبة للأخبار الصدق ؛وبالنسبة للأحكام العدل .
قوله تعالى:{بشيراً} من البشارة ؛وهي الإخبار بما يسر ؛وقد تقع فيما يسوء ،كقوله تعالى:{فبشرهم بعذاب أليم} [ آل عمران: 21] .
قوله تعالى:{ونذيراً} من الإنذار ؛وهو الإعلام بالمكروه ؛أي بما يخاف منه .
والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه مبشر بما يسروهو الجنة؛ومنذر بما يخاف منهوهو النار و{بشيراً} حال من الكاف في{أرسلناك}؛و{نذيراً} حال أخرى بواسطة حرف العطف ؛فجمع الله له بين كونه مبشراً ،ومنذراً ؛لأن ما جاء به أمر ،ونهي ؛والمناسب للأمر: البشارة ؛وللنهي: الإنذار ؛فعليه تكون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم جامعة بين البشرى ،وبين الإنذار ؛والأمر ،والنهي ؛إذاً فالرسول مبشر للمتقين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً ؛ومنذر للكافرين أن لهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب .
قوله تعالى:{ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}؛في{تسأل} قراءتان ؛إحداهما بالرفع على أن{لا} نافية ؛والفعل مبني لما لم يسم فاعله ؛يعني: ولا تُسأل أنت عن أصحاب الجحيم ؛أي لا يسألك الله عنهم ؛لأنك بلَّغت ؛والحساب على الله ؛والقراءة الثانية: بالجزم على أن{لا} ناهية ؛و{تَسألْ}: فعل مضارع مبني للفاعل مجزوم بها ؛والمعنى: لا تَسأل عن أصحاب الجحيم بما هم عليه من العذاب ؛فإنهم في حال لا يتصورها الإنسان ؛وهذا غاية ما يكون من الإنذار لهؤلاء المكذبين المخالفين الذين هم أصحاب الجحيم ؛فالنهي هنا للتهويل ؛والقراءتان سبعيتان جامعتان للمعنيين ؛و{أصحاب} جمع صاحب ؛وهو الملازم ؛و{الجحيم} النار العظيمة ؛وهي لها أسماء كثيرة منها: النار ،والسعير ،وجهنم ،والجحيم ؛كل ذلك لاختلاف أوصافها ؛وإلا فهي واحدة .
الفوائد:
1من فوائد الآية: الرد على هؤلاء الذين قالوا:{لولا يكلمنا الله ...}؛لقوله تعالى:{إنا أرسلناك بالحق} .
2ومنها: ثبوت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ؛لقوله تعالى:{إنا أرسلناك} .
3ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول صادق ؛وليس برب ؛لأن الرسول لا يمكن أن يكون له مقام المرسِل .
4ومنها: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم متضمنة لأمر ،ونهي ،وتبشير ،وإنذار ؛لقوله تعالى:{بشيراً ونذيراً}؛والحكمة من ذلك ظاهرة ؛وذلك لأن الإنسان قد يهون عليه فعل الأوامر ،ويشق عليه ترك المنهيات ؛أو بالعكس ؛فلو كانت الشريعة كلها أوامر ما تبين الابتلاء في كفّ الإنسان نفسه عن المحارم ،ولو كانت كلها نواهي ما تبين ابتلاء الإنسان بحمل نفسه على الأوامر ؛فكان الابتلاء بالأمر ،والنهي غاية الحكمة ؛فالشيخ الكبير يهون عليه ترك الزنى ؛ولذلك كانت عقوبته على الزنى أشد من عقوبة الشاب ؛المهم أن الابتلاء لا يتم إلا بتنويع التكليف ؛فمثلاً الصلاة تكليف بدني ؛والزكاة بذل للمحبوب ؛والصيام ترك محبوب ؛والحج تكليف بدني ،ومالي .
5ومن فوائد الآية: أن وظيفة الرسل الإبلاغ ؛وليسوا مكلفين بعمل الناس ؛لقوله تعالى:{ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم} .
وعلى القراءة الثانية نستفيد فائدة ثانية؛وهي شدة عذاب أصحاب الجحيموالعياذ بالله؛لقوله تعالى:{ولا تَسأل عن أصحاب الجحيم} .